وحاصل الكلام أنه كما أن العلم قد يتحقق في النّفس بوجود أسبابه ، كذلك قد يخلق في النّفس حالة وصفة على نحو العلم حاكية عن الخارج ، فإذا تحقق هذا المعنى في الكلام ، يصير جملة يصح السكوت عليها ، لأن تلك الصفة الموجودة تحكى جزما عن تحقق النسبة في الخارج ، ويتصف الكلام بالقابلية للصدق والكذب بالمطابقة والمخالفة. هذا في الجمل الخبرية.
وأما الإنشائيات ، فكون الألفاظ فيها علة لتحقق معانيها مما لم أفهم له معنى محصلا (٦١) ضرورة عدم كون تلك العلية من ذاتيات
______________________________________________________
التجزم المذكور في الجمل التقييدية أيضا ، لأن المقصود هو البناء على ثبوت النسبة بحيث يأبى عن جعل العدم محمولا لها ، والموجود في ما ذكر لا يأبى عنه كما هو واضح ، ولذا لا يتصف بالصدق والكذب ، لعدم بناء جزمي من النّفس حتى يقال إنه مطابق للخارج أو غير مطابق ، ولم يتعهّد المتكلم بشيء من وجود النسبة وعدمها حتى يكذّب أو يصدق.
واما ما توهم ـ من وجود التجزم في (زيد العالم جاءني) ولذا لو لم يكن بعالم يكذّب المتكلم ، كما لو لم يجئ ـ ففاسد لأن اتصاف القضية بالصدق والكذب في المقام ليس إلّا ببركة المحمول الواقع على الموضوع المتصف ، فان عدم تطابق التجزم للنسبة بين الموضوع والمحمول قد يتحقق بعدم الموضوع أو قيوده وصفاته ، وقد يتحقق بعدم المحمول كذلك ، فليس لنفس زيد العالم تجزم ولا صدق ولا كذب. والظاهر أن التجزم المذكور ثابت عند من يقول بتركب القضية من ثلاثة أجزاء ، غاية الأمر هو يجعل التجزم من كيفيات النسبة ، لا أنه شيء في قبالها ، بخلاف القائل بتركبه من أربعة اجزاء ، فانه يجعله في قبالها ويعبّر عنه بالحكم بالوقوع واللاوقوع.
(٦١) لا بأس بالإشارة إلى مقصود المحقق الخراسانيّ (قدسسره) ثم بيان