(فان قلت) إن الدور الّذي أوردته ـ على القائل بمقدمية ترك الضد لفعل ضده الآخر ـ انما يتوجه لو التزم بكون الفعل أيضا علة للترك ، وهو لا يلتزم به. وإنما يقول بكون ترك الضد مستندا إلى الصارف ، لكونه أسبق رتبة من الفعل. ومعلوم أن المعلول إذا كانت له علل ، فهو يستند إلى أسبق علله ، فحينئذ نقول بان فعل الضد يتوقف على ترك ضده الآخر ، ولكن ترك الضد لا يتوقف على فعل ضده الآخر ، بل يكفى فيه الصارف ، فاندفع بذلك الدور.
(قلت) الإسناد الفعلي وان كان إلى الصارف ليس إلّا ، لما ذكر من كونه أسبق العلل ، إلا أنه يكفى في البطلان وقوع الفعل في مرتبة علة الترك لاستلزام ذلك التقدم عليه ، مع كون الترك أيضا مقدما على الفعل بمقتضى مقدميته ، لأن وجه بطلان الدور تقدم الشيء على نفسه ، وهذا الوجه موجود هنا بعينه ، فان ترك الضد بمقتضى المقدمية مقدم طبعا على فعل ضده ، وكذلك فعل الضد بمقتضى شأنيته للعلية يجب أن يكون مقدما على ترك ضده ، فترك الضد مقدم على فعل ضده الّذي هو مقدم على ذلك الترك ، فيجب أن يكون ترك الضد مقدما على نفسه. وكذلك فعل الضد.
ومما ذكرنا يظهر عدم الفرق بين الرفع والدفع ، لأن البرهان الّذي ذكرناه على عدم التوقف يجري فيهما على نهج واحد ، وأنت إذا تأملت فيما ذكرنا ، لم تجد بدا من القول بعدم التوقف ، فلا نطيل المقام بذكر ما أوردوه في بيان المقدمية والمناقشة فيه.
إنما المهم التعرض للمسألة التي فرعوها على مقدمية ترك الضد وعدمها أعني بطلان فعل الضد لو كان عباديا ، وقد وجب ضده على الأول ، وصحته على الثاني.