ويمكن ان يقال : إن المعتبر فيها ليس إلّا وقوع الفعل على وجه يوجب القرب عند المولى ، وهذا لا يتوقف على الأمر. (بيان ذلك) : أن الفعل الواقع في الخارج على قسمين (أحدهما) ما ليس للقصد دخل في تحققه ، بل لو صدر من الغافل لصدق عليه عنوانه (ثانيهما) ما يكون قوامه في الخارج بالقصد ، كالتعظيم والإهانة وأمثالهما. وأيضا لا إشكال في ان تعظيم من له أهلية ذلك بما هو أهل له ، وكذا شكره ومدحه بما يليق به ، حسن عقلا ، ومقرب بالذات ، ولا يحتاج في تحقق القرب إلى وجود امر بهذه العناوين. نعم قد يشك في أن التعظيم المناسب له أو المدح اللائق بشأنه ما ذا؟ وقد يتخيل كون عمل خاص تعظيما له ، أو ان القول الكذائي مدح له. والواقع ليس كذلك ، بل هذا الّذي يعتقده تعظيما توهين له ،
______________________________________________________
والمفاسد بعد العلم بها ، وجعل الأمر داعيا للفعل ـ أيضا فعل من الأفعال ، فان علم الإنسان أن فيه مصلحة ملزمة وفي تركه مفسدة لازمة الدفع فهذه المصلحة عند العلم بها محرك ذاتي وكذا المفسدة. ومعلوم انه ما لم يجعل تحت الأمر ليس فيه مصلحة ولا في تركه مفسدة ، واما لو جعل تحت الأمر ففي تركه العقاب وفي فعله الثواب ، لأنه مصداق لامتثال الواجب. والعلم بهما محرك ذاتي ، مثلا لو كان امر الوالد بلا مصلحة ذاتية تصلح للمحركية ، فأمر الشارع بوجوب إطاعته ووجوب جعل امره محركا في ما امر وعلم به المكلف ، علم أن في امتثال أمر الوالد مصلحة وفي تركه مفسدة ، لأنه مصداق لامتثال أمر الله ـ تبارك وتعالى ـ ولا نتيجة في جعل المحركية الا ذلك.
ان قلت : نعم هذا إذا جعلت المحركية تحت امر آخر ، والكلام في جعل المحركية بنفس هذا الأمر.
قلت : نرجع إلى الإشكال الأول ، من عدم إمكان أخذ جعل الحكم في موضوع نفسه ، ويمكن تصحيحه بالقضية الطبيعية ، بأن يقال تجب الصلاة مثلا بقصد طبيعة الأمر ، فمحركية الطبيعة موضوع للأمر المذكور ، لا محركية نفسه حتى يلزم المحذور.