أنه في النّفس صفة أخرى غير الإرادة تسمى بالطلب ، فهو واضح الفساد ، ضرورة أنا إذ نطلب شيئا لم نجد في أنفسنا غير الإرادة ومباديها (٦٤) وإن أرادوا ان الطلب معنى ينتزع من الإرادة في مرتبة
______________________________________________________
(الطلب والإرادة)
(٦٤) توضيح ذلك : أنه كما أن الفاعل المختار بعد تحقق مبادئ الإرادة تحدث في نفسه صفة نفسانية توجب تحريك عضلاته نحو الفعل ، كذلك في الآمر بعد تحقق المبادي تحدث في نفسه حالة نفسانية تحركه نحو الجعل. ولا فرق بينهما ، إلا أن في الأولى لما تعلق الغرض بصدور الفعل من جوارحه توجب تلك الحالة تحريك عضلات نفسه نحو الفعل ، وفي الثانية لمّا تحقق الغرض بصدور الفعل من جوارح الغير ويرى الآمر جعل الوجوب من مقدمات صدوره ، فلا محالة يتحرك نحو الجعل والأمر ، ولذا لا تنفك الأولى عن المراد بخلاف الثانية ، فانها ـ حيث احتاجت في إيجاد المراد إلى الجعل وموافقة المكلّف ـ قد تتخلف عن المراد ، كما إذا منع مانع عن الأمر أو عصى المأمور ، ولذلك ينقدح مع إرادة الآمر الاذن في الترك في المستحبات ، حيث لا يرى الآمر تلك الإرادة علة تامة للفعل ، بخلافها في الإرادة الفاعلية ، فانها علة تامة. ولا يتصوّر فيها الاستحباب ، وكيف كان فليس في النّفس حالة وصفة أخرى عند الآمر غير ما ذكرنا حتى يقال انها طلب.
هذا ولكن يمكن النزاع بأن يقال : هل الموجود ـ في نفس الفاعل والآمر المحرك لهما نحو الفعل والجعل ـ هو العلم بالنفع والحب والشوق النفسانيّ لا غيرها ، حتى لا يبقى مجال للتعدد ، أو حالة نفسانية أخرى يعبّر عنها مثلا بتجمّع النّفس ، وهي الطلب الباعث للتحريك دائما ، دون العلم بالنفع والشوق المؤكد المجرد عنه ، وتلك الحالة وان كانت تحدث غالبا بعد العلم بالنفع والشوق المؤكد ، لكن قد تنفك عنهما ، كما ذكرنا في الإرادة الاختيارية. والأمر في الحقيقة كاشف عن تلك الحالة ، ويكون إظهارها موضوعا لحكم العقل بوجوب