إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدى) وقد قرئ : (يهدى إلى أن يهدى) أي لا يهدى غيره ولكن يهدى أي لا يعلم شيئا ولا يعرف أي لا هداية له ولو هدى أيضا لم يهتد ؛ لأنها موات من حجارة ونحوها ، وظاهر اللفظ أنه إذا هدى اهتدى لإخراج الكلام أنها أمثالكم كما قال تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ عِبادٌ أَمْثالُكُمْ) وإنما هى أموات. وقال فى موضع آخر : (وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقاً مِنَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ شَيْئاً وَلا يَسْتَطِيعُونَ) وقوله عزوجل : (إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ) ـ (وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ) ـ (وَهَدَيْناهُمَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) فذلك إشارة إلى ما عرف من طريق الخير والشر وطريق الثواب والعقاب بالعقل والشرع. وكذا قوله : (فَرِيقاً هَدى وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ) ـ (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ) ـ (وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ يَهْدِ قَلْبَهُ) فهو إشارة إلى التوفيق الملقى فى الروع فيما يتحراه الإنسان وإياه عنى بقوله عزوجل : (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً) وعدى الهداية فى مواضع بنفسه وفى مواضع باللام وفى مواضع بإلى ، قال تعالى : (وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) ـ (وَاجْتَبَيْناهُمْ وَهَدَيْناهُمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) وقال تعالى : (أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ) وقال : (هَلْ لَكَ إِلى أَنْ تَزَكَّى ، وَأَهْدِيَكَ إِلى رَبِّكَ فَتَخْشى) وما عدى بنفسه نحو : (وَلَهَدَيْناهُمْ صِراطاً مُسْتَقِيماً) ـ (وَهَدَيْناهُمَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) ـ (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) ـ (أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللهُ) ـ (وَلا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً) ـ (أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ) ـ (وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِراطاً مُسْتَقِيماً).
ولما كانت الهداية والتعليم يقتضى شيئين : تعريفا من المعرف ، وتعرفا من المعرف ، وبهما تم الهداية والتعليم فإنه متى حصل البذل من الهادي والمعلم ولم يحصل القبول صح أن يقال لم يهد ولم يعلم اعتبارا بعدم القبول وصح أن يقال هدى وعلم اعتبارا ببذله ، فإذا كان كذلك صح أن يقال إن الله تعالى لم يهد الكافرين والفاسقين من حيث إنه لم يحصل القبول الذي هو تمام الهداية والتعليم ، وصح أن يقال هداهم وعلمهم من حيث إنه حصل البذل الذي هو مبدأ الهداية. فعلى الاعتبار بالأول يصح أن يحمل قوله تعالى : (وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) ـ (وَالْكافِرِينَ) وعلى الثاني قوله عزوجل : (وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى) والأولى حيث لم يحصل القبول المفيد فيقال : هداه الله فلم يهتد كقوله : (وَأَمَّا ثَمُودُ) الآية ، وقوله : (لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ) إلى قوله : (وَإِنْ كانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللهُ) فهم الذين قبلوا هداه واهتدوا به وقوله