(لِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ) ـ (يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ) نبه أن لكل وقت إيجادا وهو يوجد ما تقتضى الحكمة إيجاده ويزيل ما تقتضى الحكمة إزالته ، ودل قوله : (لِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ) على نحو ما دل عليه قوله : (كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ) وقوله : (وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ) وقوله : (وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتابِ وَما هُوَ مِنَ الْكِتابِ) فالكتاب الأول ما كتبوه بأيديهم المذكورة فى قوله تعالى : (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ) والكتاب الثاني التوراة ، والثالث لجنس كتب الله أي ما هو من شىء من كتب الله سبحانه وتعالى وكلامه ، وقوله : (وَإِذْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَالْفُرْقانَ) فقد قيل هما عبارتان عن التوراة وتسميتها كتابا اعتبارا بما أثبت فيها من الأحكام ، وتسميتها فرقانا اعتبارا بما فيها من الفرق بين الحق والباطل. وقوله : (وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ كِتاباً مُؤَجَّلاً) أي حكما. (لَوْ لا كِتابٌ مِنَ اللهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ) وقوله : (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللهِ) كل ذلك حكم منه. وأما قوله تعالى : (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ) فتنبيه أنهم يختلقونه ويفتعلونه ، وكما نسب الكتاب المختلق إلى أيديهم نسب المقال المختلق إلى أفواههم فقال : (ذلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْواهِهِمْ) والاكتتاب متعارف فى المختلق نحو قوله : (أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَها) وحيثما ذكر الله تعالى أهل الكتاب فإنما أراد بالكتاب التوراة والإنجيل وإياهما جميعا ، وقوله : (وَما كانَ هذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرى) إلى قوله : (وَتَفْصِيلَ الْكِتابِ) فإنما أراد بالكتاب هاهنا ما تقدم من كتب الله دون القرآن ؛ ألا ترى أنه جعل القرآن مصدقا له ، وقوله : (وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتابَ مُفَصَّلاً) فمنهم من قال هو القرآن ومنهم من قال هو القرآن وغيره من الحجج والعلم والعقل ، وكذلك قوله : (فَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ) وقوله : (قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ) فقد قيل أريد به علم الكتاب وقيل علم من العلوم التي آتاها الله سليمان فى كتابه المخصوص به وبه سخر له كل شىء ، وقوله : (وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتابِ كُلِّهِ) أي بالكتب المنزلة فوضع ذلك موضع الجمع إما لكونه جنسا كقولك كثر الدرهم فى أيدى الناس ، أو لكونه فى الأصل مصدرا نحو عدل وذلك كقوله : (يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ) وقيل يعنى أنهم ليسوا كمن قيل فيهم : (وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ) وكتابة العبد ابتياع نفسه من سيده بما يؤديه من كسبه ، قال تعالى : (وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتابَ