ذَوَاتَىْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَىْءٍ مِّن سِدْرٍ قَلِيلٍ).
«اكل» : بمعنى الطعام ؛ و «خمط» : بمعنى النبات المرّ وهو «الأراك» ؛ و «أثل» : شجر معروف. وبذا يكون قد نبت محل تلك الأشجار الخضراء المثمرة ، أشجار صحراوية غليظة ليست ذات قيمة.
يقول تعالى في الآية التالية بصراحة وكتلخيص واستنتاج لهذه القصة : (ذلِكَ جَزَيْنَاهُم بِمَا كَفَرُوا).
ويجب أن لا يتبادر إلى الذهن بأنّ هذا المصير يخصّ هؤلاء القوم ، بل إنّ من المسلم أنّه يعمّ كل من كانت لهم أعمال شبيهة بأعمال هؤلاء. وهكذا تضيف الآية : (وَهَلْ نُجَازِى إِلَّا الْكَفُورَ).
(وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّاماً آمِنِينَ (١٨) فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ) (١٩)
(فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ) : تعود هذه الآيات إلى قصة قوم سبأ مرّة اخرى ، وتعطي شرحاً وتفصيلاً أكثر حولهم وحول العقاب الذي حلّ بهم ، ليكون درساً بليغاً وتربوياً لكل سامع. يقول تعالى : لقد عمّرنا أرضهم إلى حدّ أنّ النعمة لم تغطّها وحدها ، بل (وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِى بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةٍ). فقد جعلنا بينهم وبين الأرض المباركة مدائن وقرىً اخرى متّصلة بفواصل قليلة إلى درجة أنّ القرية ترى من القرية الثانية.
والمقصود من «الأرض المباركة» هو «صنعاء» أو «مأرب» وكلتاهما كانتا في اليمن.
ولكن العمران وحده لا يكفي ، بل إنّ شرطه الأساسي هو «الأمان» ، ولذلك تضيف الآية : (وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ). أي جعلنا بينها فواصل معتدلة : (سِيُروا فِيهَا لَيَالِىَ وَأَيَّامًاءَامِنِينَ).
وبهذا فإنّ الفواصل والمسافات بين القرى كانت متناسقة محسوبة ، وكذلك فإنّها طرق محفوظة من حملات الضواري أو السرّاق أو قطّاع الطرق.