هيبة سليمان وموته العبرة : بعد الحديث عن المواهب التي أغدق الله بها على داود عليهالسلام تنتقل الآيات إلى الحديث عن إبنه سليمان عليهالسلام ، فهذه الآيات تشير إلى ثلاث مواهب عظيمة خُصّ بها إبنه سليمان عليهالسلام. يقول تعالى : (وَلِسُلَيْمنَ الرّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ).
الملفت هنا أنّ الله تبارك وتعالى حينما سخّر للأب جسماً خشناً وصلباً جدّاً وهو الحديد ، نرى أنّه قد سخّر للإبن موجوداً لطيفاً للغاية ، ولكنّ العملين كانا نافعين وإعجازيين.
أمّا كيف تحمل الريح مقعد سليمان ، (سواء أكانت كرسياً أم بساطاً)؟ فليس بواضح لنا ، والقدر المتيقّن هو أن لا شيء يمثّل مشكلة أو عقبة أمام قدرة الله.
بعدئذ تنتقل الآية إلى الموهبة الثانية التي خصّ الله بها سليمان عليهالسلام ، فتقول الآية الكريمة : (وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ).
«أسلنا» : من مادة «سيلان» بمعنى الجريان ؛ و «القطر» بمعنى النحاس ، والمقصود أنّنا أذبنا له هذا الفلز وجعلناه كعين الماء.
والأمر ليس واضحاً لدينا وما نعلمه هو أنّ ذلك أيضاً كان من الألطاف الإلهية على هذا النبي العظيم.
أخيراً تنتقل الآية إلى بيان الموهبة الإلهية الثالثة لسليمان عليهالسلام وهي تسخير مجموعة كبيرة من الجن لخدمته فتقول الآية : (وَمِنَ الْجِنّ مَن يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبّهِ وَمَن يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ).
الآية التالية ، تشير إلى جانب من الأعمال الإنتاجية الهامة ، التي كان يقوم بها فريق الجن بأمر سليمان. يقول تعالى : (يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِن مَّحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَّاسِيَاتٍ).
فكل ما أراده سليمان من معابد وتماثيل وأواني كبيرة للغذاء والتي كانت كالأحواض الكبيرة ، وقدور واسعة ثابتة ، كانت تهيّأ له ، فبعضها يرتبط بالمسائل المعنوية والعبادية ، وبعضها الآخر يرتبط بالمسائل الجسمانية ، وكانت متناسبة مع أعداد جيشه وعمّاله الهائلة.
«محاريب» : جمع محراب ، ويعني «مكان العبادة» أو «القصور والمباني الكبيرة» التي بنيت كمعابد.
فإنّ هؤلاء العمّال النشطين المهرة ، قاموا ببناء المعابد الضخمة والجميلة في ظلّ حكومته الإلهية والعقائدية ، حتى يستطيع الناس أداء وظائفهم العبادية بسهولة.