وبعد ذكر هذه الفضيلة المعنوية ، تذكر الآية فضيلة مادية اخرى فتقول : (وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ).
إنّ ظاهر الآية يدلّل على أنّ ليونة الحديد تمّت لداود بأمر إلهي.
وروي ـ في تفسير مجمع البيان ـ عن الإمام الصادق عليهالسلام قال : «إنّ الله أوحى إلى داود عليهالسلام : نعم العبد أنت إلّاأنّك تأكل من بيت المال! فبكى داود أربعين صباحاً ، فألان الله له الحديد ، وكان يعمل كل يوم درعاً فيبيعها بألف درهم فعمل ثلاثمائة وستّين درعاً فباعها بثلاثمائة وستّين ألفاً فاستغنى عن بيت المال».
الآية التي بعدها تتعرض لشرح صناعة داود للدروع والأمر الإلهي العميق المعنى بهذا الخصوص. يقول تعالى : (أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدّرْ فِى السَّرْدِ).
«سابغات» : جمع «سابغ» وهو الدرع التامّ الواسع ؛ و «سرد» : في الأصل بمعنى حياكة ما يخشن ويغلظ كنسج الدرع وخرز الجلد ، واستعير لنظم الحديد ، وجملة (وَقَدّرْ فِى السَّرْدِ) معناها مراعاة المقاييس المتناسبة في حلقات الدرع وطريقة نسجها ، وفي الواقع فإنّ الله تعالى قد أمر داود بأن يكون مثالاً يحتذى لكل الحرفيين والعمّال المؤمنين في العالم ، بمراعاته للإتقان والدقة في العمل من حيث الكمّ والكيف في المصنوعات ، ليستطيع بالتالي مستهلكوها استعمالها براحة وبشكل جيّد ، والإفادة من متانتها.
ثم تُختم الآية بخطاب لداود وأهل بيته : (وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنّى بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ).
فالهدف ليس صناعة الدروع وتحقيق الربح ، بل إنّ ذلك كله وسيلة في المسير باتّجاه العمل الصالح ، وليستفيد أيضاً داود وأهل بيته.
(وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ (١٢) يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ (١٣) فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ) (١٤)