وهذا هو «برهان القدرة» الذي استدلّ به القرآن الكريم في آيات اخرى في مواجهة منكري المعاد ، ومن جملة هذه الآيات ، الآية (٨٢) من سورة يس ، والآية (٩٩) من سورة الإسراء ، والآيتين (٦ و ٧) من سورة ق.
ونشير إلى أنّ هذه الجملة كانت مقدمة لتهديد تلك الفئة المتعصبة من ذوي القلوب السوداء ، الذين يصّرون على عدم رؤية كل هذه الحقائق ، لذا يضيف تعالى قائلاً : (إِن نَّشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ). فنأمر الأرض فتنشقّ بزلزلة مهولة وتبتلعهم ، أو نأمر السماء فترميهم بقطعات من الحجر وتدمّر بيوتهم وتهلكهم (أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفًا مِّنَ السَّمَاءِ). أجل ، إنّ في هذا الأمر دلائل واضحة على قدرة الله تعالى على كل شيء ، ولكن يختص بإدراك ذلك كل إنسان يتدبر في مصيره ويسعى في الإنابة إلى الله : (إِنَّ فِى ذلِكَ لَأَيَةً لِكُلّ عَبْدٍ مُّنِيبٍ).
ونحن المحكومون بقدرته في كل طرفة عين إنكار قدرته على البعث بعد الموت ، أو كيف نستطيع الفرار من سلطة حكومته.
(وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ مِنَّا فَضْلاً يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ (١٠) أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) (١١)
المواهب الإلهية العظيمة لداود : بناء على ما مرّ ذكره في آخر المجموعة السابقة من الآيات وما قلناه حول «العبد المنيب» والثواب ، ولعلمنا بأنّ هذا الوصف قد ذكر للنبي داود عليهالسلام (في الآية ٢٤ من سورة ص) ـ كما سيرد شرحه بإذن الله ـ فالأفضل من أن نتعرّض لجانب من حياة هذا النبي عليهالسلام كمثال للإنابة والتوبة وإكمال البحث السابق ، وهي أيضاً تنبيه لكل من يغمط نعم الله ويتناساها ، ويتخلّى عن عبوديته لله عند جلوسه على مسند القدرة والسلطة. في الآية الاولى يقول تعالى : (وَلَقَدْءَاتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلاً).
فبعد هذه الإشارة الإجمالية العامة ، تبدأ الآية بشرح وتوضيح جوانب من الفضائل المعنوية والمادية التي تمتّع بها داود ، فيقول تعالى : (يَا جِبَالُ أَوّبِى مَعَهُ وَالطَّيْرَ).
«أوّبي» : في الأصل من «التأويب» بمعنى الترجيع وإعادة الصوت في الحلق ، وهذا الأصل يستعمل أيضاً بمعنى «التوبة» لأنّ حقيقتها الرجوع إلى الله.
وفي كتاب كمال الدين وتمام النعمة عن الصادق عليهالسلام أنّه قال في حديث يذكر فيه قصة داود عليهالسلام : «إنّه خرج يقرأ الزبور ، وكان إذا قرأ الزبور لا يبقى جبل ولا حجر ولا طائر إلّاجاوبته».