العلماء يرون دعوتك إنّها حق : كان الحديث في الآيات السابقة عن عمي البصائر ، المغفّلين الذين أنكروا المعاد ، والآيات مورد البحث ، تتحدث عن العلماء والمفكرين الذين صدّقوا بآيات الله وسعوا سعيهم لتشجيع الآخرين على التصديق بها. يقول تعالى : (وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِى أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِى إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ).
إنّ عبارة (الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ) ، يشمل كل العلماء والمفكرين في كل عصر وزمان ومكان.
واليوم ، فإنّ هناك كتباً متنوّعة كتبها مفكّرون غربيون وشرقيون حول الإسلام والقرآن ، تحوي إعترافات ظاهرة على عظمة الإسلام وصدق الآية مورد البحث.
ويعود تعالى إلى مسألة القيامة والبعث في الآية التي بعدها ، ويكمل البحوث السابقة بطريقة اخرى ، فيقول تعالى : (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَى رَجُلٍ يُنَبّئُكُمْ إِذَا مُزّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِى خَلْقٍ جَدِيدٍ).
يبدو أنّ إصرار ـ هؤلاء الكفار ـ على إنكار مسألة المعاد يعتمد على أمرين :
الأوّل : توهمّهم أنّ المعاد الذي تحدّث عنه رسول الأكرم صلىاللهعليهوآله وهو «المعاد الجسماني» ، أمر يسهل الإشكال عليه والطعن فيه.
الثاني : أنّ الإعتقاد بالمعاد ، أو حتى القبول باحتماله ـ على كل حال ـ إنّما يفرض على الإنسان مسؤوليات وتعهدات ، وهذا ما اعتبره رؤوس الكفر خطراً حقيقياً.
والعجيب أنّهم : (افْتَرَى عَلَى اللهِ كَذِبًا أَم بِهِ جِنَّةٌ).
ولكن القرآن يردّ عليهم بشكل حاسم قائلاً : (بَلِ الَّذِينَ لَايُؤْمِنُونَ بِالْأَخِرَةِ فِى الْعَذَابِ وَالضَّللِ الْبَعِيدِ).
والحقيقة أنّ الحياة لو حُدّت بهذه الأيام القليلة من عمر الدنيا لكان تصور الموت بالنسبة لكل إنسان كابوساً مرعباً ، لهذا السبب نرى أنّ منكري المعاد في قلق دائم منغّص وعذاب أليم ، بينما المؤمنين بالمعاد يعتبرون الموت قنطرة إلى عالم البقاء.
ثم ينتقل القرآن الكريم لتقديم دليل آخر عن المعاد ، مقترن بتهديد الغافلين المعاندين ، فيقول تعالى : (أَفَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ).
فإنّ هذه السماء بكواكبها الثابتة والسيّارة ، وكذلك الأرض بكل مدهشاتها وأنواع موجوداتها الحية ، وبركاتها ومواهبها ، لأوضح دليل على قدرة الخلّاق العظيم.