(وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِمِ الْغَيْبِ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِنْ ذلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (٣) لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (٤) وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُولئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ) (٥)
أقسم بالله لتأتينكم القيامة : تتعرض الآيات مورد البحث إلى موضع التوحيد وصفات الله في نفس الوقت الذي تهيء أرضية لموضوع المعاد ، لأنّ مشكلات (بحث المعاد) لا يمكن حلّها إلّاعن طريق العلم اللامتناهي للباري عزوجل ، كما سنرى. لذا فإنّ الآيات مورد البحث تبدأ أوّلاً بقوله تعالى : (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَاتَأْتِينَا السَّاعَةُ).
ويريدون بذلك الفكاك والتحرّر من قيود هذه الإعتقادات ؛ الحساب والكتاب والعدل والجزاء ، ليرتكبوا ما يحلوا لهم من الأعمال.
ولكن القرآن بناءً على وضوح أدلة القيامة يخاطب الرسول الأكرم صلىاللهعليهوآله بصورة حاسمة وفي معرض بيان النتيجة ، فيقول : (قُلْ بَلَى وَرَبّى لَتَأْتِيَنَّكُمْ).
والتركيز على كلمة «ربّ» لأنّ القيامة في الأصل من شؤون الربوبية ، فكيف يمكن أن يكون الله مالكاً ومربّياً للبشر يقودهم في سيرهم التكاملي ، ثم يتخلّى عنهم في منتصف الطريق لينتهي بالموت كل شيء.
وبما أنّ أحد إشكالات الكافرين بالمعاد ، هو شكّهم ـ من جانب ـ في إمكانية جمع وإعادة بناء أعضاء الإنسان الميّت بعد تبعثرها وتفسّخها في التراب ، وكذلك ـ من جانب آخر ـ في إمكانية وجود من يمكنه النظر في جميع أعمال العباد التي عملوها في السر والعلن والظاهر والباطن ، لذا فإنّ الله تعالى يضيف في تتمة الآية الكريمة : (عَالِمِ الْغَيْبِ لَايَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِى السَّموَاتِ وَلَا فِى الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِن ذلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِى كِتَابٍ مُّبِينٍ).
والمقصود من «الكتاب المبين» هو «لوح العلم الإلهي اللامتناهي» ضُبط وقُيّد كل شيء ، بدون أن يجد التغيير والتبديل طريقه إليه.
ثم يوضّح تعالى الهدف من قيام القيامة في آيتين ، أو بتعبير آخر : إعطاء الدليل على لزوم