تنتقل الآية التي بعدها إلى التوسّع في إظهار جانب من علم الله اللامحدود ، تناسباً مع وصف الآية السابقة له تعالى بالحكيم والخبير ، فيقول سبحانه : (يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِى الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا).
نعم ، فقد أحاط علماً بكل حبّة مطر وقطرة ماء تنفذ وتلج في أعماق الأرض حتى إذا وصلت طبقة صلدة تجمّعت هناك وصارت ذخيرة للإنسان.
ويعلم بالبذور التي تنتقل على سطح الأرض لتنبت في مكان ما وتصبح شجرة باسقة أو عشباً طريّاً.
يعلم بجذور الأشجار عند توغلها في أعماق التربة بحثاً عن الماء والغذاء.
يعلم بالموجات الكهربائية والغازات المختلفة ، بذرّات الهواء التي تنفذ في الأرض.
وكذلك ، يعلم بالكنوز والدفائن وأجساد الموتى من الإنسان وغيره ... نعم إنّه مطّلع على كل هذا.
وكذلك فهو عارف وعالم بالنباتات التي تخرج من الأرض ، والناس الذين يبعثون منها ، بالعيون التي تفور بالماء منها ، بالغازات التي تتصاعد منها ، بالبراكين التي تلوّح بجحيمها.
والخلاصة ، فهو عالم بكل الموجودات التي تلج الأرض وتخرج منها أعم مما نعلمه أو ما لا نعلمه.
ثم يضيف قائلاً : (وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا).
فهو يعلم بحبّات المطر ، وبأشعة الشمس التي تنثر الحياة ، بأمواج الوحي والشرائع السماوية العظيمة ، وبالملائكة التي تهبط إلى الأرض لإبلاغ الرسالات أو أداء الأوامر الإلهية المختلفة ، بالأشعة الكونية التي تدخل جو الأرض من الفضاء الخارجي ، بالشهب والذرات المضطربة في الفضاء والتي تهوي نحو الأرض ، فهو تعالى محيط بهذا كله.
وكذلك فإنّه يعلم بأعمال العباد التي تعرج إلى السماء ، والملائكة التي تقفل صاعدة إلى السماء بعد أداء تكاليفها ، وبالشياطين الذين يرتقون إلى السماء لاستراق السمع ، وبالأبخرة التي تتصاعد من البحار إلى أعالي السماء لتتكاثف مكونةً سحباً ، وبالآهات التي تنطلق من قلب المظلوم متصاعدة إلى السماء ... نعم هو عالم بكل ذلك.
وفي ختام الآية يضيف تعالى : (وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ).