ليلته في حفظ الله تعالى وكلائه ، فإن قرأهما في نهاره لم يصبه في نهاره مكروه ، واعطي من خير الدنيا وخير الآخرة ما لم يخطر على قلبه ولم يبلغ مناه».
وهذا الثواب العظيم لا يكون نصيب من يكتفي من قراءته بلقلقة اللسان وحسب ، بل يجب أن تكون القراءة مقدمة للتفكير الذي يكون بدوره باعثاً على العمل الصالح.
بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمـَنِ الرَّحِيمِ
(الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (١) يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ) (٢)
هو المالك لكل شيء والعالم بكل شيء : خمس سور من القرآن الكريم افتتحت «بحمد الله» ، وإرتبط (الحمد) في ثلاثة منها بخلق السموات والأرض وهي (سبأ وفاطر والأنعام) بينما كان مقترناً في سورة الكهف بنزول القرآن على قلب الرسول الأكرم صلىاللهعليهوآله ، وجاء في سورة الفاتحة تعبيراً جامعاً شاملاً لكل هذه الإعتبارات : (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبّ الْعَالَمِينَ).
إنّ الحمد والشكر لله تعالى في مطلع سورة سبأ هو في قبال مالكيته وحاكميته تعالى في الدنيا والآخرة.
يقول تعالى : (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى لَهُ مَا فِى السَّموَاتِ وَمَا فِى الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِى الْأَخِرَةِ).
لذا فإنّ الحاكمية والمالكية في الدنيا والآخرة له سبحانه ، وكل موهبة ، وكل نعمة ، ومنفعة وبركة ، وكل خلقة سوية عجيبة مذهلة ، تتعلّق به تعالى ، ولذا فإنّ كل مدح وثناء يصدر من أحدٍ على شيء في هذا العالم ، فإنّ مرجعه في النهاية إلى الله سبحانه وتعالى.
ثم يضيف تعالى قائلاً : (وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ).
فقد اقتضت حكمته البالغة أن يُخضع الكون لهذا النظام العجيب ، وأن يستقرّ ـ بعلمه وإحاطته ـ كل شيء في محلّه من الكون ، فيجد كل مخلوق ـ كل ما يحتاج إليه ـ في متناوله.
إنّ هذا الحمد والثناء لا ينطلق من ألسنة الناس والملائكة فقط ، بل تُسمع همهمة الحمد والتسبيح من كل ذرّة في عالم الوجود بإدراك العقل ، فليس من موجود إلّاويحمده ويسبّحه تعالى.