في الآيتين الاخريين بيان خمس واجبات يرتبط بعضها ببعض ، وتكمل إحداها الاخرى.
تقول الآية أوّلاً : (إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا). فهو من جانب شاهد على أعمال امّته ، لأنّه يرى أعمالهم.
وهو من جانب آخر شاهد على الأنبياء الماضين الذين كانوا شهوداً على اممهم : (فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هؤُلَاءِ شَهِيدًا) (١).
ومن جهة ثالثة فإنّ وجودك بما لك من الصفات والأخلاق والبرامج والتعليمات البنّاءة ، إضافةً إلى تاريخك المشرق وأعمالك المشرّفة ، شاهد على أحقّية دينك ، وشاهد على عظمة الله وقدرته.
ثم تطرقت الآية إلى الصفتين الثانية والثالثة فقالت : (وَمُبَشّرًا وَنَذِيرًا). فهو مبشّر للمحسنين بثواب الله اللامتناهي ... بالسلامة والسعادة الخالدة ... بالظفر والتوفيق المليء بالفخر والإعتزاز ... ونذير للكافرين والمنافقين من عذاب الله الأليم ... من خسران كل رأسمال الوجود ، ومن السقوط في شراك التعاسة في الدنيا والآخرة.
وأشارت الآية التالية إلى الصفة الرّابعة والخامسة ، فقالت : (وَدَاعِيًا إِلَى اللهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا).
إنّ كون النبي صلىاللهعليهوآله (سراجاً منيراً) إشارة إلى المعجزات وأدلة أحقية دعوة الرسول ، وعلامة صدقها ، فهو سراج منير شاهد بنفسه على نفسه.
إنّ وجود النبي صلىاللهعليهوآله أساس الهدوء والإطمئنان ، ونمو روح الإيمان والأخلاق ، والخلاصة : أساس الحياة والحركة ، وتأريخ حياته شاهد حي على هذا الموضوع.
وفي الآيتين الاخريين من الآيات مورد البحث بياناً لخمسة واجبات من واجبات النبي الأكرم صلىاللهعليهوآله فتقول أوّلاً : (وَبَشّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُم مِّنَ اللهِ فَضْلاً كَبِيرًا). وهي إشارة إلى أنّ مسألة تبشير النبي صلىاللهعليهوآله لا يحدّ بالثواب الإلهي بمقدار أعمال المؤمنين الصالحة ، بل إنّ الله سبحانه يفيض عليهم من فضله بحيث تضطرب المعادلة بين العمل والجزاء تماماً.
ثم تناولت الواجب الثاني والثالث ، فقالت : (وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ).
لا شك أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله لم يطع الكافرين والمنافقين مطلقاً ، إلّاأنّ هذا الموضوع من
__________________
(١) سورة النّساء / ٤١.