إنّ «الذكر الكثير» ـ بالمعنى الواقعي للكلمة ـ يعني التوجه إلى الله سبحانه بكل الوجود ، لا بلقلقة اللسان وحسب.
في الكافي عن الإمام الصادق عليهالسلام قال : «من أكثر ذكر الله أظلّه الله في جنته».
والآية التالية بمثابة نتيجة وعلّة غائيّة للتسبيح في الواقع ، فهي تقول : (هُوَ الَّذِى يُصَلّى عَلَيْكُمْ وَمَلِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ). أي : من ظلمات الشرك والكفر والجهل إلى نور الإيمان والعلم والتقوى : (وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا). وبسبب هذه الرحمة كتب على نفسه هداية البشر وإرشادهم ، وأمر ملائكته أن تعينهم في ذلك.
«يصلّي» : من مادة «صلاة» وهي هنا تعني الرعاية والعناية الخاصة ، وهذه العناية بالنسبة لله تعني نزول الرحمة ، وبالنسبة للملائكة تعني الاستغفار وطلب الرحمة.
هذه هي رحمة الله الخاصة التي تخرج المؤمنين من ظلمات الأوهام والشهوات والوساوس الشيطانية ، وتهديهم إلى نور اليقين والإطمئنان والسيطرة على النفس ، ولولا رحمته سبحانه فإنّ هذا الطريق المليء بالمنعطفات والعراقيل لا يكون سالكاً.
وتجسّد الآية الأخيرة من الآيات مورد البحث مقام المؤمنين وثوابهم بأروع تجسيد وأقصر عبارة ، فتقول : (تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلمٌ).
«التحية» : من مادة «حياة» ، وهي تعني الدعاء لسلامة وحياة اخرى.
هذا السلام يعني السلامة من العذاب ، ومن كل أنواع الألم والعذاب والمشقة ، سلام ممتزج بالهدوء والإطمئنان.
بعد هذه التحية ، التي ترتبط ببداية الأمر ، أشارت الآية إلى نهايته فقالت : (وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا).
(يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً (٤٥) وَدَاعِياً إِلَى اللهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُنِيراً (٤٦) وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللهِ فَضْلاً كَبِيراً (٤٧) وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ وَكَفَى بِاللهِ وَكِيلاً) (٤٨)
السراج المنير : الخطاب في هذه الآيات موجّه إلى النبي صلىاللهعليهوآله ، إلّاأنّ نتيجته لكل المؤمنين ، وبذلك فإنّها تكمل الآيات السابقة التي كانت تبحث في بعض وظائف المؤمنين وواجباتهم.
لقد جاءت في الآيتين الأوليين من هذه الآيات الأربع «خمس صفات» للنبي صلىاللهعليهوآله وجاء