(مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلكِنْ رَسُولَ اللهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً) (٤٠)
مسألة الخاتمية : هذه الآية هي آخر ما بيّنه الله سبحانه فيما يتعلق بمسألة زواج النبي صلىاللهعليهوآله بمطلّقة زيد لكسر عرف جاهلي خاطيء ، وتبيّن في نهايتها حقيقة مهمة اخرى ـ وهي مسألة الخاتمية ـ بمناسبة خاصة. تقول أوّلاً : (مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رّجَالِكُمْ). لا زيد ولا غيره ، وإذا ما أطلقوا عليه يوماً إنّه «ابن محمّد» فإنّما هو مجرد عادة وعرف ليس إلّا ، وما إن جاء الإسلام حتى اجتثّت جذوره ، وليس هو رابطة طبيعية عائلية.
ثم تضيف : بأنّ علاقة النبي صلىاللهعليهوآله معكم إنّما هي من جهة الرسالة والخاتمية فقط : (وَلكِن رَّسُولَ اللهِ وَخَاتَمَ النَّبِيينَ). وبهذا قطع صدر الآية الإرتباط والعلاقة النسبية بشكل تام وقطعي ، وأثبت ذيلها العلاقة المعنوية الناشئة من الرسالة والخاتمية ، ومن هنا يتّضح ترابط صدر الآية وذيلها.
ولا شك أنّ الله العليم الخبير قد وضع تحت تصرفه كل ما كان لازماً في هذا الباب ، من الاصول والفروع ، والكليات والجزئيات في جميع المجالات ، ولذلك يقول سبحانه في نهاية الآية : (وَكَانَ اللهُ بِكُلّ شَىْءٍ عَلِيمًا).
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللهَ ذِكْراً كَثِيراً (٤١) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً (٤٢) هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً (٤٣) تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْراً كَرِيماً) (٤٤)
تحية الله والملائكة فرج للمؤمنين : لما كان الكلام في الآيات السابقة عن مسؤوليات نبي الخاتم صلىاللهعليهوآله وواجباته الثقيلة الملقاة على عاتقه ، فإنّ الآيات مورد البحث تبيّن جانباً من وظائف المؤمنين من أجل تهيئة الأرضية اللازمة لهذا التبليغ ، وتوسعة أطرافه في جميع الأبعاد ، فوجّهت الخطاب إليهم جميعاً وقالت : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا اذْكُرُوا اللهَ ذِكْرًا كَثِيرًا). ونزّهوه صباحاً ومساءاً (وَسَبّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً).
لما كانت عوامل الغفلة في الحياة المادية كثيرة جدّاً ، وسهام وسوسة الشياطين ترمى من كل جانب صوب الإنسان ، فلا طريق لمحاربتها إلّابذكر الله الكثير.