الإنسانية يقترن عادةً بالضجيج والغوغاء والصخب ، وينبغي أن لا يهتمّ الأنبياء بهذا الضجيج والصخب مطلقاً ، ولذلك تعقب الجملة التالية فتقول : (سُنَّةَ اللهِ فِى الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ).
فلست الوحيد المبتلى بهذه المشكلة ، بل إنّ الأنبياء جميعاً كانوا يعانون هذه المصاعب عند مخالفتهم سنن مجتمعاتهم ، وعند سعيهم لإجتثاث اصول الأعراف الفاسدة منها.
ويقول الله سبحانه في نهاية الآية تثبيتاً لاتّباع الحزم في مثل هذه المسائل الأساسية : (وَكَانَ أَمْرُ اللهِ قَدَرًا مَّقْدُورًا).
إنّ التعبير ب (قَدَرًا مَّقْدُورًا) قد يكون إشارة إلى كون الأمر الإلهي حتمياً ، ويمكن أن يكون دالًّا على رعاية الحكمة والمصلحة فيه ، إلّاأنّ الأنسب في مورد الآية أن يراد منه كلا المعنيين.
(الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاتِ اللهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللهَ وَكَفَى بِاللهِ حَسِيباً) (٣٩)
من هم المبلّغون الحقيقيون : تشير الآية مورد البحث ، ومناسبة للبحث الذي مرّ حول الأنبياء السابقين في آخر آية من الآيات السابقة ، إلى أحد أهم برامج الأنبياء العامة ، فتقول : (الَّذِينَ يُبَلّغُونَ رِسَالَاتِ اللهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللهَ).
وكذلك الحال بالنسبة إليك ، فينبغي أن لا تخش أحداً في تبليغ رسالات الله.
إنّ عمل الأنبياء عليهمالسلام في كثير من المراحل هو كسر مثل هذه السنن والأعراف عادةً ، ولو أنّهم سمحوا لأقلّ خوف وتردّد أن ينفذ إلى نفوسهم فسوف يفشلون في أداء رسالاتهم ، فيجب على هذا أن يسيروا بحزم وثبات ، ويستوعبوا كلمات المسيئين الجارحة غير المتزنة ، ويستمرّوا في طريقهم دون أن يهتّموا بإصطناع الأجواء ضدهم ، وضجيج العوام ، وتآمر الفاسدين والمفسدين وتواطئهم ، لأنّ كل الحسابات بيد الله سبحانه ، ولذلك تقول الآية في النهاية : (وَكَفَى بِاللهِ حَسِيبًا).
إنّه يحسب إيثار الأنبياء وتضحياتهم في هذا الطريق ويجزيهم عليها ، كما يحفظ كلمات الأعداء البذيئة وثرثرتهم ليحاسبهم عليها ويجازيهم.
إنّ الآية المذكورة دليل واضح على أنّ الحزم والإخلاص وعدم الخوف من أي أحد إلّا الله تعالى ، شرط أساسي في التقدم والرقي في مجال الإعلام والتبليغ.