قال لهم ـ كما يحكي ذلك القرآن ـ : أنّ بيدكم حكومة مصر الواسعة مع خيراتها ونعيمها فلا تكفروا بهذه النعم فيصيبكم العذاب الالهي. (يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِى الْأَرْضِ فَمَن يَنصُرُنَا مِن بَأْسِ اللهِ إِن جَاءَنَا).
ويظهر أنّ هذا الكلام أثّر في حاشية فرعون وبطانته ، فقلّل من غضبهم وغيظهم ، لكن فرعون لم يسكت ولم يقتنع ، فقطع الكلام بالقول : (قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى).
وهو إنّي أرى من المصلحة قتل موسى ولا حلّ لهذه المشكلة سوى هذا الحل.
ثم إنّني : (وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ).
وهذه هو حال كافة الطواغيت والجبارين على طول التاريخ ، فهم يعتبرون كلامهم الحق دون غيره.
(وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزَابِ (٣٠) مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ وَمَا اللهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبَادِ (٣١) وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ (٣٢) يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُمْ مِنَ اللهِ مِنْ عَاصِمٍ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ) (٣٣)
التحذير من العاقبة : كان الشعب المصري آنذاك يمتاز نسبياً بمواصفات التمدّن والثقافة ، وقد اطّلع على أقوال المؤرخين بشأن الأقوام السابقة ، أمثال قوم نوح وعاد وثمود الذين لم تكن أرضهم تبعد عنهم كثيراً ، وكانوا على علم بما آل إليه مصيرهم. لذلك كلّه فكّر مؤمن آل فرعون بتوجيه أنظار هؤلاء إلى أحداث التاريخ وأخذ يحذّرهم من تكرار العواقب الأليمة التي نزلت بغيرهم ، عساهم أن يتيقظوا ويتجنّبوا قتل موسى عليهالسلام. يقول القرآن الكريم حكاية على لسانه : (وَقَالَ الَّذِىءَامَنَ يقَوْمِ إِنّى أَخَافُ عَلَيْكُم مّثْلَ يَوْمِ الْأَحْزَابِ).
ثم أوضح مراده من هذا الكلام بأنّني خائف عليكم عن العادات والتقاليد السيئة التي كانت متفشّية في الأقوام السالفة : (مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِن بَعْدِهِمْ).
هل عندكم ضمان بأنّكم لستم مثل أولئك ؛ أو أنّ العقوبات الإلهية لا تشملكم ؛ ترى ماذا عمل اولئك حتى أصابهم ما أصابهم ، لقد اعترضوا على دعوة الأنبياء الإلهيين ، وفي بعض الأحيان عمدوا إلى قتلهم ... لذلك كلّه فإنّي أخاف عليكم مثل هذا المصير المؤلم.