(وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ (١٨) يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ (١٩) وَاللهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ إِنَّ اللهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) (٢٠)
يوم تبلغ القلوب الحناجر : هذه الآيات تستمر ، كالآيات السابقة ، في وصف القيامة. يقول تعالى : (وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْأَزِفَةِ).
«الآزفة» : باللغة بمعنى (القريب). وإذا نظرنا بتأمّل فسنجد أنّ عمر الدنيا بأجمعه لا يعادل سوى لحظة زائلة حيال يوم القيامة ، ولأنّ الله تبارك وتعالى لم يذكر أىّ تاريخ لهذا اليوم المهول ، حتى للأنبياء عليهمالسلام ، لذا يجب الإستعداد دائماً لاستقبال ذلك اليوم.
الوصف الثاني ليوم الآزفة هو : (إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ) من شدة الخوف.
الصفة الثالثة لذلك اليوم تعبّر عنها الآية ب (كَاظِمِينَ). أي إنّ الهمّ والغمّ سيشمل كل وجودهم ، إلّاأنّهم لا يستطيعون إظهار ذلك أو إبداءه.
«كاظم» : مشتقة من «كظم» وهي في الأصل تعني غلق فوهة القربة المملوءة بالماء ، ثم أطلقت بعد ذلك على الأشخاص المملوئين غضباً إلّاأنّهم لا يظهرونه لسبب من الأسباب.
الصفة الرابعة ليوم التلاقي هو يوم : (مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ). أي صديق ، نعم إنّ تلك المجموعة من الأصدقاء الكذابين التي تحيط بالشخص كذباً وتملّقاً ـ كما يحيط الذباب بالحلويات ـ طمعاً في مقامه وقدرته وجاهه وماله.
الصفة الخامسة تقول عنها الآية : (وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ).
ذلك أنّ شفاعة الشفعاء الحقيقيين كالأنبياء والأولياء إنّما تكون بإذن الله تعالى ، وعلى هذا الأساس لا مجال لتلك التصورات السقيمة لعبدة الأصنام ، الذين كانوا يعتقدون في الحياة الدنيا أنّ أصنامهم ستشفع لهم في حضرة الله جلّ وعلا.
وفي المرحلة السادسة تذكر الآية أحد صفات الخالق جلّ وعلا ، والتي تعتبر في نفس الوقت وصفاً لكيفية القيامة ، حيث تقول : (يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِى الصُّدُورُ).
إنّ الله تبارك وتعالى يعلم الحركات السرية للعيون وما تخفيه الصدور من أسرار ، وسيقوم تعالى بالحكم والقضاء العادل عليها.