الآية التي تليها تتحدث عن صفة سابعة للقيامة تتمثل في قوله تعالى : (وَاللهُ يَقْضِى بِالْحَقّ). أمّا غيره : (وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لَايَقْضُونَ بِشَىْءٍ).
في ذلك اليوم يختص الله وحده بالقضاء ، وهو جلّ جلاله لا يقضي إلّابالحق.
وفي الختام وللتأكيد على المطالب المذكورة في الآيات السابقة تضيف الآية : (إِنَّ اللهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ).
فهو تعالى سميع وبصير بمعنى الكلمة ، أي إنّ كل المسموعات والمبصرات حاضرة عنده ، وهذا تأكيد على إحاطته وعلمه بكل شيء ، وقضاوته بالحق ، فإنّه لو لم يكن سميعاً وبصيراً مطلقاً فلا يستطيع أن يقضي بالحق.
(أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ كَانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثَاراً فِي الْأَرْضِ فَأَخَذَهُمُ اللهُ بِذُنُوبِهِمْ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنَ اللهِ مِنْ وَاقٍ (٢١) ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَكَفَرُوا فَأَخَذَهُمُ اللهُ إِنَّهُ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ) (٢٢)
اعتبروا بعاقبة أسلافكم الظالمين : إنّ اسلوب القرآن الكريم في كثير من الآيات أنّه بعد أن يتعرض لكليات القضايا الحساسة والمهمة يمزجها ببعض المسائل الجزئية والمحسوسة ويأخذ بيد الإنسان ليريه الحوادث الماضية والحالية ، لذلك فإنّ الآيات التي بين أيدينا تتحدث عن أحوال الامم الظالمة السابقة ومنهم فرعون والفراعنة وما حلّ بهم من جزاء أليم ، وتدعوا الناس للاعتبار بمصير اولئك ، بعد ما كانت الآيات السابقة قد حدّثتنا عن يوم القيامة وصفاته وطبيعة الحساب الدقيق الذي ينطوي عليه. يقول تعالى : (أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِى الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ كَانُوا مِن قَبْلِهِمْ).
إنّ الذي تحكيه الآيات وتدعونا للاعتبار به ليس تاريخاً مدوّناً نستطيع أن نشكّك في طبيعة الوثائق والنصوص المكوّنة له ، فهذه قصور الظالمين الخربة ، وها هي عظامهم النخرة التي يطويها التراب ، والقصور المدفونة تحت الأرض ... ها هي كلّها تحكي عظة الدرس ، وعظيم العبرة ، خصوصاً وأنّ القرآن يزيدنا معرفة بهؤلاء فيقول عنهم : (كَانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَءَاثَارًا فِى الْأَرْضِ).