فالذي يتمكن من تنفيذ مثل هذه المناهج العادلة بدقّة ، هو الذي أحاط علمه بكل شيء ، لهذا فإنّ العبارة السابعة والأخيرة في هذا البحث تقول : (وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ).
إذن فلا حاجة حتى للشهود ، لأنّ الله هو أعلم من كل أولئك الشهود ، ولكن لطفه وعدله يقتضيان إحضار الشهود.
(وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هذَا قَالُوا بَلَى وَلكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ (٧١) قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ) (٧٢)
الّذين يدخلون جهنم زمراً : تواصل الآيات هنا بحث المعاد ، وتستعرض بالتفصيل ثواب وجزاء المؤمنين والكافرين ، الذي استعرض بصورة مختصرة في الآيات السابقة. وتبدأ بأهل جهنم ، إذ تقول : (وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا).
عبارة «زمر» تعني الجماعة الصغيرة من الناس ، وتوضّح أنّ الكافرين يساقون إلى جهنم على شكل مجموعات صغيرة ومتفرقة.
و «سيق» : من مادة «سوق» وتعني (الحث على السير).
ثم تضيف : (حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْءَايَاتِ رَبّكُمْ وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هذَا) (١).
يتّضح بصورة جيّدة من خلال هذه العبارة ، أنّ أبواب جهنم كانت مغلقة قبل سوق اولئك الكفرة ، وهي كأبواب السجون المغلقة التي تفتح أمام المتهمين الذين يراد سجنهم ، وهذا الحدث المفاجيء يوجد رعباً ووحشة كبيرة في قلوب الكافرين ، وقبل دخولهم يتلقاهم خزنة جهنم باللوم والتوبيخ ، الذين يقولون استهجاناً وتوبيخاً لهم : لم كفرتم وقد هيأت لكم كافة أسباب الهداية ، فكيف وصل بكم الحال إلى هذه الدرجة رغم إرسال الأنبياء إليكم؟
فإنّ الكافرين يجيبون خزنة جهنم بعبارة قصيرة ملؤها الحسرات ، قائلين : (قَالُوا بَلَى
__________________
(١) «خزنة» : جمع (خازن) من مادة «خزن» وتعني حافظ الشيء ، و (خازن) تطلق على المحافظ والحارس.