٢ ـ أمّا المفسر الكبير العلّامة الطباطبائي رحمهالله ، صاحب تفسير الميزان ، فقد قال : إنّ المراد من إشراق الأرض بنور ربّها هو ما يخصّ يوم القيامة من انكشاف الغطاء وظهور الأشياء بحقائقها وتجلّي الأعمال من خير أو طاعة أو معصية أو حق أو باطل للناظرين. وقد استدل العلّامة الطباطبائي على هذا الرأي بالآية (٢٢) من سورة «ق» : (لَّقَدْ كُنتَ فِى غَفْلَةٍ مّنْ هذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ). وهذا الإشراق وإن كان عاماً لكل شيء يسعه النور ، لكن لمّا كان الغرض بيان ما للأرض وأهلها يومئذٍ من الشأن ، خصّها بالبيان.
ومن دون شك فإنّ هذه الآية تتعلق بيوم القيامة ، وإن وجدنا بعض روايات أهل البيت الأطهار عليهمالسلام تفسّرها على أنّها تعود إلى ظهور القائم المهدي المنتظر (عج) ، فهي في الواقع نوع من التطبيق والتشبيه ، وتأكيد لهذا المعنى ، وهو عند ظهور المهدي (عج) تصبح الدنيا نموذجاً حيّاً من مشاهد القيامة ، إذ يملأ هذا الإمام بالحق ونائب الرسول الأكرم وخليفة الله ، الأرض بالعدل إلى الحد الذي ترتضيه الحياة الدنيا.
العبارة الثانية في هذه الآية تتحدث عن صحائف الأعمال ، إذ تقول : (وَوُضِعَ الْكِتَابُ).
الصحائف التي تتضمن جميع صغائر وكبائر أعمال الإنسان.
وتضيف العبارات التي تتحدث عن الشهود : (وَجِاىءَ بِالنَّبِيّينَ وَالشُّهَدَاءِ).
فالأنبياء يحضرون ليسألوا عن أدائهم لمهام الرسالة ، كما ورد في الآية (٦) من سورة الأعراف : (وَلَنَسَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ).
كما يحضر شهداء الأعمال في محكمة العدل الإلهية ليدلوا بشهاداتهم ، صحيح أنّ الباريء عزوجل مطّلع على كل الامور ، ولكن للتأكيد على مقام العدالة يدعو شهداء الأعمال للحضور في تلك المحكمة.
العبارة الرّابعة تقول : (وَقُضِىَ بَيْنَهُم بِالْحَقّ).
والخامسة تضيف : (وَهُمْ لَايُظْلَمُونَ).
فمن البديهيات ، عندما يكون الحاكم هو الباريء عزوجل ، فلا يحكم إلّابالحق ، وفي مثل هذه المحاكم لا وجود للظلم والاستبداد مطلقاً.
العبارة السادسة في الآية التالية أكملت الحديث بالقول : (وَوُفّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ).
إنّ جزاء الأعمال وعواقبها سترد إليهم ، وهل هناك مكافأة ومجازاة أعلى من أن يردّ عمل الإنسان بصورة كاملة إلى الإنسان نفسه.