الآية الاولى تتحدث بلهجة قاطعة وشديدة حول أخطار الشرك ، وتقول : (وَلَقَدْ أُوحِىَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ).
وبهذا الترتيب ، فإنّ للشرك نتيجتين خطيرتين ، تشملان حتى أنبياء الله فيما لو أصبحوا مشركين ، على فرض المحال.
النتيجة الاولى : إحباط الأعمال ، والثانية : الخسران والضياع.
وإحباط الأعمال يعني محو آثار ثواب الأعمال السابقة ، وذلك بعد كفره وشركه بالله ، لأنّ شرط قبول الأعمال هو الاعتقاد بأصل التوحيد ، ولا يقبل أيّ عمل بدون هذا الاعتقاد.
وأمّا خسارتهم فإنّها بسبب بيعهم أكبر ثروة يمتلكونها ، ألا وهي العقل والإدراك والعمر في سوق التجارة الدنيوية ، وشراؤهم الحسرة والألم بثمنها.
الآية التالية تضيف للتأكيد أكثر : (بَلِ اللهَ فَاعْبُدْ وَكُن مّنَ الشَّاكِرِينَ).
تقديم اسم الجلالة للدلالة على الحصر ، وذلك يعني أنّ ذات الله المنزهة يجب أن تكون معبودك الوحيد.
الآية الأخيرة في بحثنا هذا تكشف عن الجذر الرئيسي لانحرافهم ، وتقول : (وَمَا قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ). ولهذا تنزّلوا باسمه المقدس حتى جعلوه رديفاً للأوثان.
ثم يأتي القرآن بعبارتين كنائيتين بعد العبارة السابقة ، وذلك لبيان عظمة وقدرة الباريء عزوجل ، إذ يقول كلام الله المجيد : (وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيمَةِ وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ).
«القبضة» : الشيء الذي يقبض عليه بجميع الكف ، تستخدم ـ عادة ـ للتعبير عن القدرة المطلقة والتسلّط التام ؛ و «مطويّات : من مادة «طي وتعني الثني ، والتي تستعمل أحياناً كناية عن الوفاة وانقضاء العمر ، أو عن عبور شيء ما.
فالذي يثني طوماراً ويحمله بيده اليمنى يسيطر بصورة كاملة على الطومار الذي يحمله بتلك اليد ، وانتخبت اليد اليمنى هنا لأنّ أكثر الأشخاص يؤدّون أعمالهم المهمة باليد اليمنى ويحسّون بأنّها ذات قوّة وقدرة أكثر.
خلاصة الكلام ، أنّ كل هذه التشبيهات والتعابير هي كناية عن سلطة الله المطلقة على عالم الوجود في العالم الآخر ، حتى يعلم الجميع أنّ مفتاح النجاة وحلّ المشاكل يوم القيامة هو بيد القدرة الإلهية ، كي لا يعمدوا إلى عبادة الأصنام وغيرها من الآلهة بذريعة أنّها ستشفع لهم في ذلك اليوم.