فمسألة (توحده في الخلق) هي حقيقة اعترف بها حتى المشركون ، ولكنّهم ابتلوا بالانحراف فيما يتعلق بمسألة (توحده في الربوبية) ، ففي بعض الأحيان اعتبروا الأصنام هي التي تحفظهم وتحميهم وتدبّر أمرهم ، وكانوا يلجؤون إليها عندما يواجهون أيّ مشكلة.
أمّا الآية التالية فقد تطرّقت إلى (توحيد الله في المالكية) لتكمل بحث التوحيد الذي ورد في الآيات السابقة ، إذ تقول : (لَّهُ مَقَالِيدُ السَّموَاتِ وَالْأَرْضِ).
ولهذا السبب قررت الآية المذكورة بمثابة استنتاج : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَايَاتِ اللهِ أُولئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ).
لأنّهم تركوا المصدر الرئيسي والمنبع الحقيقي لكل الخيرات والبركات وتاهوا في صحاري الضلال عندما أعرضوا بوجوههم عن مالك مفاتيح السماوات والأرض ، وتوجّهوا نحو موجودات عاجزة تماماً عن تقديم أدنى عمل لهم.
من مجموع كل الامور التي ذكرناها في الآيات السابقة بشأن فروع التوحيد ، يمكن الحصول على نتيجة جيّدة ، وهي أنّ التوحيد في العبادة هو حقيقة لا يمكن نكرانها وعلى كل إنسان عاقل أن لا يسمح لنفسه بالسجود للأصنام ، ولهذا فإنّ البحث ينتهي بآية تتحدث بلهجة حازمة ومتشددة : (قُلْ أَفَغَيْرَ اللهِ تَأْمُرُونّى أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ).
هذه الآية ـ وبالنظر إلى أنّ المشركين والكفرة كانوا أحياناً يدعون رسول الله صلىاللهعليهوآله إلى احترام آلهتهم وعبادتها ، أو على الأقل عدم الانتقاص منها أو النهي عن عبادتها ـ أعلنت وبمنتهى الصراحة أنّ مسألة توحيد الله وعدم الإشراك به هي مسألة لا تقبل المساومة والاستسلام أبداً ، إذ يجب أن تزال كافة أشكال الشرك وتمحى من على وجه الأرض.
(وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (٦٥) بَلِ اللهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ (٦٦) وَمَا قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ) (٦٧)
الشرك محبط للاعمال : آيات بحثنا تواصل التطرّق للمسائل المتعلقة بالشرك والتوحيد والتي كانت قد استعرضت في الآيات السابقة أيضاً.