الندم لا ينفع في ذلك اليوم : الآيات السابقة أكّدت على التوبة وإصلاح الذات وإصلاح الأعمال السابقة ، وآيات بحثنا الحالي تواصل التطرّق لذلك الموضوع ؛ ففي البداية تقول : (أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطتُ فِى جَنْبِ اللهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ).
نعم ، فعندما يرد الإنسان إلى ساحة المحشر ، ويرى بامّ عينيه نتائج إفراطه وإسرافه ومخالفته ، يصرخ فجأة (واحسرتاه) إذ يمتلىء قلبه في تلك اللحظات بغمّ كبير مصحوب بندم عميق ، وهذه الحالة النفسية التي وردت في الآيات المذكورة.
عبارة (جَنْبِ الله) تعني أنّ الامور ترجع إلى جانب الله ، فأوامره وإطاعته والتقرّب إليه ، والكتب السماوية كلها نزلت من جانبه ، وكلها مجموعة في هذا المعنى.
ثم تضيف الآية : (أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللهَ هَدَينِى لَكُنتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ).
يبدو أنّ هذا الكلام يقوله الكافر عندما يوقف أمام ميزان الحساب ، حيث يرى البعض يقادون إلى الجنة وهم محمّلون بأعمالهم الحسنة ، وهنا يتمنى الكافر لو أنّه كان أحد هؤلاء المتوجهين إلى جنة الخلد.
وتضيف الآية مرّة اخرى : (أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِى كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ).
وهذا ما يقوله الكافر ـ أيضاً ـ حينما تقوده الملائكة الموكلة بالنار نحو جهنم ، وترى عيناه نار جهنم ومنظر العذاب الأليم فيها ، وهنا يتأوه من أعماق قلبه ويتوسل لكي يسمح له بالعودة مرّة اخرى إلى الحياة الدنيا ليطهّر نفسه من الأعمال السيئة والقبيحة ويستبدلها بأعمال صالحة.
القرآن المجيد يردّ على القول الثاني من بين الأقوال الثلاثة ، إذ يقول : (بَلَى قَدْ جَاءَتْكَءَايَاتِى فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنتَ مِنَ الْكَافِرِينَ).
إنّ قولك : لو كانت الهداية قد شملتني لأصبحت من المتقين ، فما هي الهداية الإلهية؟ هل هي غير الكتب السماوية ورسل الله ، وآياته وعلاماته الصادقة في الآفاق والأنفس؟ إنّك سمعت باذنيك وشاهدت بعينيك كل هذه الآيات ، فما كان ردّ فعلك إزاءها غير التكذيب والتكبّر والكفر.
فمن بين تلك الأعمال الثلاثة يعد (الاستكبار) الجذر الرئيسي ، ومن بعد يأتي التكذيب بآيات الله ، وحصيلة الاثنين هو الكفر وعدم الإيمان.