بشأن المشركين والظالمين ، فإنّ آيات بحثنا فتحت الأبواب أمام المذنبين وأعطتهم الأمل ، لأنّ الهدف الرئيسي من كل هذه الأمور هو التربية والهداية وليس الإنتقام والعنف ، فبلهجة مملوءة باللطف والمحبة يفتح الباريء أبواب رحمته أمام الجميع ويصدر أوامر العفو عنهم ، عندما يقول : (قُلْ يَا عِبَادِىَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَاتَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا).
التدقيق في عبارات هذه الآية يبيّن أنّها من أكثر آيات القرآن الكريم التي تعطي الأمل للمذنبين ، فشموليتها وسعتها وصلت إلى درجة قال بشأنها أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليهالسلام : «ما في القرآن آية أوسع من يا عبادي الّذين أسرفوا» الآية (١).
إنّ الوعد الذي أعطاه الله بغفران الذنوب مشروط بأن يعودوا إلى أنفسهم بعد إرتكاب الذنب ، ويتوجّهوا في مسيرهم نحو الباريء عزوجل ، ويستسلموا لأوامره ، ويظهروا صدق توبتهم وإنابتهم بالعمل.
الآية التاليه ترشد المجرمين والمذنبين إلى الطريق للدخول إلى بحر الرحمة الإلهية الواسع إذ تقول : (وَأنِيبُوا إِلَى رَبّكُمْ). واصلحوا اموركم ومسير حياتكم : (وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَاتُنصَرُونَ).
بعد طي هاتين المرحلتين «الإنابة» و «التسليم» ، تتحدث الآية عن المرحلة الثالثة وهي مرحلة (العمل) ، إذ تقول : (وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبّكُم مّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنتُمْ لَاتَشْعُرُونَ).
وبهذا الشكل فإنّ مسيرة الوصول إلى الرحمة الإلهية لا تتعدى هذه الخطوات الثلاث :
الخطوة الاولى : التوبة والندم على الذنب والتوجه إلى الله تعالى.
الخطوة الثانية : الإيمان بالله والإستسلام له.
الخطوة الثالثة : العمل الصالح.
(أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ (٥٦) أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (٥٧) أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (٥٨) بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ) (٥٩)
__________________
(١) تفسير مجمع البيان ٨ / ٤٠٧.