ويضيف : إنّ هذا المصير لا ينحصر باولئك الاقوام وحسب بل إنّ مشركي مكة سيبتلون في القريب العاجل بعواقب أعمالهم السيئة ، ولا يستطيع أحد منهم أن يفرّ من قبضة العذاب الإلهي الذي سينزل بهم جميعاً : (وَالَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هؤُلَاءِ سَيُصِيبُهُمْ سَيَاتُ مَا كَسَبُوا وَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ).
وسينال هذا العذاب والإبتلاء كل الطغاة والمغرورين والمشركين ، وفي كل العصور والقرون.
القرآن الكريم أجاب على ادعاءات الذين يزعمون أنّهم حصلوا على النعم الدنيوية بعلمهم وقدرتهم ، عندما دعاهم إلى مراجعة تاريخ الأوّلين للإطّلاع على أنواع الإبتلاءات والعذاب الذي ابتلوا به بسبب مزاعمهم الباطلة ، وهذا هو ردّ تأريخي وواقعي.
ثم يرد القرآن الكريم عليهم بردّ عقلي ، إذ يقول : (أَوَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَبْسُطُ الرّزْقَ لِمَن يَشَاءُ وَيَقْدِرُ).
فالكثير من الأشخاص الكفوئين نراهم يعيشون حياة المستضعفين والبسطاء ، في حين نرى أنّ الكثير من الأشخاص غير الكفوئين يعيشون أثرياء ومتنعمين من كل النواحي ، فلو كان الظفر المادي كلّه يأتي عن طريق جهد وسعي الإنسان إضافة إلى كفاءته ، لما كنّا نرى مثل هذه المشاهد.
لذا تضيف الآية : (إِنَّ فِى ذلِكَ لَأَيَاتٍ لّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ).
الآيات التي وضّحها أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليهالسلام عندما قال : «عرفت الله بفسخ العزائم وحلّ العقود ونقض الهمم» (١). وهي كلمة سامية تدلّ على ضعف وعجز الإنسان كي لا يتيه ولا يبتلى بالغرور والتكبر.
(قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (٥٣) وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ (٥٤) وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ) (٥٥)
إنّ الله يغفر الذنوب جميعاً : بعد التهديدات المتكررة التي وردت في الآيات السابقة
__________________
(١) نهج البلاغة ، الكلمات القصار ، الكلمة ٢٥٠.