سبب النّزول
الكثير من المفسرين قالوا : إنّ مشركي قريش كانوا يخوّفون رسول الله صلىاللهعليهوآله من آلهتهم ويحذّرونه من غضبها على أثر وصفه تلك الأوثان بأوصاف مزرية ، ويوعدونه بأنّه إن لم يسكت عنها فستصيبه بالأذى ، وللرد على كلامهم نزلت الآية المذكورة أعلاه.
التّفسير
إنّ الله كاف : تتمة لتهديدات الباريء عزوجل التي وردت في الآيات السابقة للمشركين ، والوعد لأنبيائه. تتطرق الآية الاولى في بحثنا لتهديد الكفار : (أَلَيْسَ اللهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِن دُونِهِ).
إنّ قدرة الباريء عزوجل أقوى وأعظم من كل القدرات الاخرى ، وهو الذي يعلم بكل احتياجات ومشكلات عباده ، والذي هو رحيم بهم غاية الرحمة واللطف ، كيف يترك عباده المؤمنين لوحدهم أمام أعاصير الحوادث وعدوان بعض الأعداء!
إنّ في هذه الآية بشرى لكل السائرين في طريق الحق والمؤمنين الحقيقيين ، خاصة أولئك الذين يعيشون أقلية في بعض المجتمعات ، والمحاطين بمختلف أشكال التهديد من كل جانب.
وكتتمة للآية السابقة ، تشير الآية التالية إلى مسألة (الهداية) و (الضلالة) وتقسّم الناس إلى قسمين : (ضالين) و (مهتدين) وكل هذا من الله سبحانه وتعالى ، كي تبيّن أنّ جميع العباد محتاجون لرحمته ، ومن دون إرادته لا يحدث شيء في هذا العالم. قال تعالى : (وَمَن يُظْلِلِ اللهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ). (وَمَن يَهْدِ اللهُ فَمَا لَهُ مِن مُّضِلّ).
ومن البديهي أنّ الضلالة لا تأتي من دون سبب ، وكذلك الهداية بل إنّ كل حالة منهما هي استمرار لإرادة الإنسان وجهوده.
وما أشدّ جهل الذين فصلوا بين مثل هذه الآيات وبقية آيات القرآن واعتبروها شاهداً على ما ورد في المذهب الجبري ، وكأنّهم لا يعلمون أنّ آيات القرآن تفسّر إحداها الاخرى ، بل إنّ القرآن الكريم يقول في نهاية هذه الآية : (أَلَيْسَ اللهُ بِعَزِيزٍ ذِى انتِقَامٍ). وهو خير شاهد على هذا المعنى.
وكما هو معروف فإنّ الإنتقام الإلهي هو بمعنى الجزاء على الأعمال المنكرة التي اقترفها الإنسان ، وهذا يشير إلى أنّ إضلاله سبحانه وتعالى للإنسان هو بحدّ ذاته نوع من أنواع