وأمّا الكلام الصادق الذي أنزل إليهم وكذّبوه فهو القرآن المجيد.
خاتمة الآية تبيّن في جملة قصيرة جزاء أمثال هؤلاء الأفراد. قال تعالى : (أَلَيْسَ فِى جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْكَافِرِينَ) (١).
أمّا المجموعة الثانية فقد وصفها القرآن الكريم بوصفين ، إذ قال : (وَالَّذِى جَاءَ بِالصّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ).
عبارة (الَّذِى جَاءَ بِالصّدْقِ) يشمل كل الذين يبلّغون نهج الأنبياء ويروّجون كلام الله.
وبهذا الشكل فإنّ الآية تتحدث عن أناس هم من حملة الرسالة ومن العاملين بها ، وتتحدث عن أولئك الذين ينشرون في العالم ما ينزل به الوحي من كلام الباريء عزوجل وهم يؤمنون به ويعملون به ، وهكذا فإنّ الآية تضم الأنبياء والأئمة المعصومين والدعاة لنهج الأنبياء.
الآية التالية تبيّن أنّ هناك ثلاث مثوبات بانتظار أفراد هذه المجموعة ، أي المصدقين ، إذ تقول في البداية : (لَهُم مَّا يَشَاءُونَ عِندَ رَبّهِمْ ذلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ).
لهذه الآية مفهوم واسع بحيث يشمل كل النعم المادية والمعنوية.
أمّا المكافأتان الثانية والثالثة اللتان يمنحهما الباريء عزوجل للمصدقين ، فيقول القرآن المجيد بشأنهما : (لِيُكَفّرَ اللهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِى عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ الَّذِى كَانُوا يَعْمَلُونَ).
كم هي عبارة جميلة ولطيفة! فمن جانب يدعون الله سبحانه وتعالى ليكفّر عنهم أسوأ ما عملوا بظل لطفه ، ويطهّرهم من تلك البقع السوداء بماء التوبة ، ومن جهة اخرى يدعون الله ليجعل أفضل وأحسن أعمالهم معياراً للمكافأة ، وأن يجعل بقية أعمالهم ضمن ذلك العمل.
إنّ ما يتّضح من الآيات الكريمة هو أنّ الله استجاب لدعواهم ، عندما غفر لهم وعفا عن أسوء أعمالهم ، وجعل أفضل الأعمال معياراً للمكافأة.
(أَلَيْسَ اللهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (٣٦) وَمَنْ يَهْدِ اللهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُضِلٍّ أَلَيْسَ اللهُ بِعَزِيزٍ ذِي انْتِقَامٍ) (٣٧)
__________________
(١) «مثوى» : من مادة (ثواء) وتعني الإقامة المستمرة في مكان ما ولهذا فإنّ (مثوى) هنا تعني المكان والمنزل الدائم.