الجزاء وردّ فعل لأعمال الإنسان نفسه ، وبالطبع فإنّ هدايته سبحانه وتعالى للإنسان هي بحدّ ذاتها نوع من أنواع الثواب ، وهي ردّ فعل للأعمال الصالحة والخالصة التي يقوم بها الإنسان.
الهداية والإضلال من الله : «الهداية» : في اللغة تعني التوجيه والإرشاد بلطف ودقّة ، وتنقسم إلى قسمين (بيان الطريق) و (الإيصال إلى المطلوب). وبعبارة اخرى : (هداية تشريعية) و (هداية تكوينية).
ولتوضيح ذلك نقول : إنّ الإنسان يصف أحياناً الطريق للسائل بدقّة ولطف وعناية ويترك السائل معتمداً على الوصف في قطع الطريق والوصول إلى المقصد المطلوب ، وأحياناً اخرى يصف الإنسان الطريق للسائل ومن ثم يمسك بيده ليوصله إلى المكان المقصود.
و (الإضلال) هو النقطة المقابلة ل (الهداية).
فلو ألقينا نظرة عامة على آيات القرآن لاتّضح لنا ـ بصورة جيّدة ـ أنّ القرآن يعتبر أنّ الظلالة والهداية من الله ؛ أي أنّ الإثنين ينسبان إلى الله.
الدراسة السطحية لهذه الآيات وعدم إدراك معانيها العميقة أدّى إلى زيغ البعض خلال تفسيرهم لها ووقوعهم في فخاخ المذهب الجبري.
إنّ أدقّ تفسير يتناسب مع كل آيات الهداية والضلال ، ويفسرها جميعاً هو أنّ الهداية التشريعية التي تعني (إراءة الطريق) لها خاصية عامة وشاملة ، ولا توجد فيها أي قيود وشروط ، كما ورد في الآية (٣) من سورة الإنسان : (إِنَّا هَدَيْنهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا). وفي الآية (٥٢) من سورة الشورى : (وَإِنَّكَ لَتَهْدِى إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ). ومن البديهي أنّ دعوة الأنبياء هي مظهر دعوة الله تعالى ، لأنّ كل ما عند النبي هو من الله.
وبالنسبة إلى مجموعة من المنحرفين والمشركين ورد في الآية (٢٣) من سورة النجم : (وَلَقَدْ جَاءَهُم مّن رَّبّهِمُ الْهُدَى).
أمّا الهداية التكوينية فتعني الإيصال إلى الغرض المطلوب ، والأخذ بيد الإنسان في كل منعطفات الطريق ، وحفظه وحمايته من كل الأخطار التي قد تواجهه في تلك المنعطفات حتى إيصاله إلى ساحل النجاة ، وهي ـ أي الهداية التكوينية ـ موضع بحث الكثير من آيات القرآن الاخرى التي لا يمكن تقييدها بأيّة شروط ، فالهداية هذه تخصّ مجموعة ذكرت أوصافهم في القرآن ، أمّا الضلال الذي هو النقطة المقابلة للهداية فإنّه يخص مجموعة اخرى ذكرت أوصافهم أيضاً في القرآن الكريم.