حيث تمّ فيه شرح قصص الطغاة والمتمردين الرهيبة ، وعواقب الذنوب الوخيمة ، ونصائح ومواعظ ، وأسرار الخلق ونظامه ، وأحكام وقوانين متينة ، وبكلمة أنّه وضّح فيه كل ما هو ضروري لهداية الإنسان على شكل أمثال ، لعلهم يتذكرون ويعودون من طريق الضلال إلى الصراط المستقيم : (لَّعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ).
ثم تتطرق الآية إلى وصف آخر للقرآن ، إذ تقول : (قُرْءَانًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِى عِوَجٍ).
فإنّ الهدف من نزول القرآن الكريم ـ بكل هذه الصفات التي ذكرناها ـ هو : (لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ).
ثم يستعرض القرآن المجيد أحد الأمثال التي ضربت ليرسم من خلاله مصير الموحّد والمشرك ، وذلك ضمن إطار مثل ناطق وجميل ، إذ يقول : (ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً رَّجُلاً فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ) (١).
كل واحد منهم يأمره بتنفيذ أمر معيّن.
والأدهى من كل ذلك أنّه عندما يطلب من أحدهم توفير مستلزمات حياته ، يرميه على الآخر ، والآخر يرميه على الأوّل ، وهكذا يبقى محروماً محتاجاً عاجزاً تائهاً. وفي مقابله هناك رجل سلم لرجل واحد (وَرَجُلاً سَلَمًا لِّرَجُلٍ).
فهذا الشخص خطه ومنهجه واضح ، وولي أمره معلوم فلا تردد ولا حيرة ولا تضاد ولا تناقض ، يعيش بروح هادئة ويخطو خطوات مطمئنة ، فهل أنّ هذين الرجلين متساويان : (هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً).
هذا المثال ينطبق على (المشرك) و (الموحّد) فالمشرك يعيش في وسط المتضادات والمتناقضات ، وكل يوم يتعلق قلبه بمعبود جديد ، أمّا الموحّدون فإنّهم يعشقون الله وحده.
وفي نهاية الآية يقول تعالى : (الْحَمْدُ لِلَّهِ).
ولكن أكثرهم لا يعلمون رغم وجود هذه الدلائل الساطعة ، إذ إنّ حبّ الدنيا والشهوات الطاغية عليهم يجعلهم يضلون عن طريق الحقيقة : (بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَايَعْلَمُونَ).
وتتمة لبحث الآيات السابقة بشأن التوحيد والشرك ، تتحدث الآية التالية عن نتائج
__________________
(١) «متشاكسون» : أصلها من «شكاسة» وتعني سوء الخلق والتنازع والاختصام ، ولهذا يقال «متشاكس» لمن يتخاصم ويتنازع بعصبية وسوء خلق.