ولكون رسول الله صلىاللهعليهوآله كان يرغب ـ بشدّة ـ في هداية المشركين والضالين ، وكان يتألّم كثيراً لإنحراف اولئك الذين لم يعطوا آذاناً صاغية للحقائق ، فإنّ الآية التالية عمدت إلى مواساته بعد أن وضّحت له حقيقة أنّ عالمنا هذا هو عالم الحرية والامتحان ، ومجموعة من الناس ـ في نهاية الأمر ـ يجب أن تدخل جهنم ، إذ قالت : (أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنتَ تُنقِذُ مَن فِى النَّارِ).
ومن البديهي أنّ حتمية تعذيب هذه المجموعة لا تحمل أيّ طابع إجباري ، بل إنّهم يعذبون بسبب الأعمال التي إرتكبوها.
ولبعث السرور في قلب رسول الله صلىاللهعليهوآله ولزيادة الأمل في قلوب المؤمنين ، جاء في آخر الآية : (لكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مّن فَوْقِهَا غُرَفٌ).
فإن كان أهل جهنم مستقرين في ظلل من النار ، كما ورد في الآية السابقة : (لَهُمْ مّن فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مّنَ النَّارِ وَمِن تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ).
فإنّ لأهل الجنة غرفاً من فوقها غرف اخرى ، وقصور فوقها قصور اخرى ، لأنّ منظر الورود والماء والأنهار والبساتين من فوق الغرف يبعث على اللذة والبهجة بشكل أكثر.
وكشفت الآية أيضاً عن أنّ غرف أهل الجنة الجميلة قد زيّنت بأنهار تجري من تحتها (تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ). نعم ، هذا وعد الله : (وَعْدَ اللهِ لَايُخْلِفُ اللهُ الْمِيعَادَ).
(أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً مُخْتَلِفاً أَلْوَانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَاماً إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ (٢١) أَفَمَنْ شَرَحَ اللهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللهِ أُولئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ) (٢٢)
في هذه الآيات يستعرض القرآن الكريم مرّة اخرى دلائل التوحيد والمعاد ، ليكمل البحوث التي تناولت مسألة الكفر والإيمان الواردة في الآيات السابقة ، إذ تقول موجّهة الخطاب إلى النبي الأكرم صلىاللهعليهوآله باعتباره القدوة لجميع المؤمنين : (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِى الْأَرْضِ).
قطرات المطر التي تبعث الحياة حينماتنزل من السماء تمتصها الطبقة الاولى من طبقات