لهذا فإنّ إطلاق هذه الكلمة على ما يفرش تحت اهل النار اطلاق مجازي ومن باب التوسّع في معنى الكلمة.
هذا تجسيد لأحوالهم وأوضاعهم في هذه الدنيا ، إذ أنّ الجهل والكفر والظلم محيط بكل وجودهم ، ومستحوذ عليهم من كل جانب.
ثم تضيف الآية مؤكّدة وواعظة إيّاهم : (ذلِكَ يُخَوّفُ اللهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ).
إضافة كلمة (العباد) إلى لفظ الجلالة في هذه الآية ، ولعدّة مرّات إشارة إلى أنّ تهديد الباريء عزوجل لعباده بالعذاب إنّما هو لطف ورحمة منه ، وذلك كي لا يبتلى عباده بمثل هذا المصير المشؤوم.
(وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ (١٧) الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللهُ وَأُولئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ (١٨) أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ (١٩) لكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَعْدَ اللهِ لَا يُخْلِفُ اللهُ الْمِيعَادَ) (٢٠)
عباد الله الحقيقيون : استخدم القرآن الكريم مرّة اخرى أسلوب المقارنة في هذه الآيات ، إذ قارن بين عباد الله الحقيقيين والمشركين المعاندين الذين لا مصير لهم سوى نار جهنم. قال تعالى : (وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَن يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللهِ لَهُمُ الْبُشْرَى).
عبارة (اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ) تعني الإبتعاد عن كل أشكال الشرك وعبادة الأصنام وهوى النفس والشيطان ، وتجنّب الإنصياع والاستسلام للحكّام المتجبرين الطغاة.
أمّا عبارة (أَنَابُوا إِلَى اللهِ) فإنّها تجمع روح التقوى والزهد والإيمان ، وأمثال هؤلاء يستحقون البشرى.
ثم تعرّج الآية على تعريف العباد الخاصّين فتقول : (فَبَشّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَيهُمُ اللهُ وَأُولئِكَ هُمْ أُولُوا الْأَلْبَابِ).
الآيتان المذكورتان بمثابة شعار إسلامي ، وقد بيّنتا حرية الفكر عند المسلمين ، وحرية الإختيار في مختلف الامور.