الأرض ، وعندما تنفذ إلى داخل هذه الطبقة تقف عند طبقة اخرى في الأرض ولا تتمكن من النفوذ خلالها ، لتبعث مرّة اخرى إلى سطح الأرض بصورة عيون وقنوت وآبار.
وتضيف الآية فيما بعد : (ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا مُّخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ) ذات الأشكال المختلفة.
أي : مختلف الأنواع كالحنطة والشعير والرز والذرة ، ذات الأشكال المختلفة والألوان الظاهرية المتعددة ، فمنها الأخضر الغامق ، والأخضر الفاتح ، وبعضها ذو أوراق عريضة وكبيرة ، والبعض الآخر ذو أوراق دقيقة وصغيرة.
ثم تنتقل الآية إلى مرحلة اخرى من مراحل حياة هذه النباتات ، إذ تقول : (ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَيهُ مُصْفَرًّا) (١). حيث تعصف به الرياح من كل جانب لتقلعه من مكانه بسبب ضعف سيقانه ، ويضيف تعالى : (ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَامًا).
نعم ، إنّ في هذا لذكرى لأصحاب العقول وأهل العلم : (إِنَّ فِى ذلِكَ لَذِكْرَى لِأُولِى الْأَلْبَابِ).
هذا المشهد يذكّر الإنسان بالنظام الدقيق والعظيم الذي وضعه الباريء عزوجل لعالم الوجود ، وإنّه تذكير بنهايةالحياة وانطفاء شعلتها ، ومن ثم بمسألة البعث وعودة الأموات إلى الحياة.
وكتتمة لهذا الدرس الكبير في التوحيد والمعاد ، تنتقل الآيات إلى المقارنة بين المؤمنين والكافرين ، كي توضّح حقيقة أنّ القرآن والوحي السماوي هما كقطرات المطر التي تهطل على الأرض ، وكما أنّ الأرض التي لها الإستعداد هي التي تستفيد من قطرات المطر ، فكذلك القلوب المستعدة لبناء ذاتها بالاستعانة بلطف الله ، هي ـ فقط ـ التي تستفيد من آيات الله ، وذلك طبقاً لقوله تعالى : (أَفَمَن شَرَحَ اللهُ صَدْرَهُ ولِلإِسْلمِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مّن رَّبّهِ).
كمن هو قاسي القلب لا يهتدي بنور. (فَوَيْلٌ لّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مّن ذِكْرِ اللهِ).
أمّا القاسية قلوبهم ، فهم الذين لا تؤثّر بهم المواعظ ولا الوعيد ولا البشرى ، ولا الآيات القرآنية المؤثرة. نعم ، (أُولئِكَ فِى ظَللٍ مُّبِينٍ).
ويقال للقلوب التي لا تظهر أيّ استجابة لنور الحق والهداية ، ولا تسمح بنفوذ نور الحق والهداية إليها (قلوب قاسية).
__________________
(١) «يهيج» : من مادة «هيجان» ولها معنيان في اللغة ، الأوّل هو جفاف النبات واصفراره ، والثاني هو التحرك والإنتفاض ، ومن الممكن أو يعود المعنيان إلى أصل واحد ، لأنّ النبات حينما يجفّ فإنّه يستعد للإنفصال والإنتشار والتحرك والهيجان.