الخطوط الرئسية لمناهج العباد المخلصين : تتمة لما جاء في بحث الآيات السابقة التي قارنت بين المشركين المغرورين والمؤمنين المطيعين لله ، وبين العلماء والجهلة ، فإنّ آيات بحثنا هذا تبحث الخطوط الرئيسية لمناهج عباد الله الحقيقيين المخلصين وذلك ضمن سبعة مناهج وردت في عدّة آيات تبدأ بكلمة (قل).
الآية الاولى تحثّ النبي صلىاللهعليهوآله على التقوى : (قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَءَامَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ).
نعم ، فالتقوى هي الحاجز الذي يصدّ الإنسان عن الذنوب ، وتجعله يحسّ بالمسؤولية وبتكاليفه أمام الباريء عزوجل ، وهي المنهج الأوّل لعباد الله المؤمنين والمخلصين ، وهي ميزان شخصية وكرامة الإنسان عند الباريء عزوجل.
المنهج الثاني يختص بالإنسان والعمل الصالح في هذه الدنيا التي هي دار العمل ، وقد شجعت الآية الناس وحثّتهم على عمل الإحسان ، من خلال بيان نتيجة ذلك العمل : (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِى هذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ).
نعم فالإحسان بصورة مطلقة في هذه الدنيا ـ سواء كان في الحديث ، أو في العمل ، أو في نوع التفكر والتفكير بالأصدقاء والغرباء ـ يؤدّي إلى نيل ثواب عظيم في الدنيا والآخرة ، لأنّ جزاء الإحسان هو الإحسان.
وفي الواقع فإنّ التقوى عامل ردع ، والإحسان عامل صلاح ، وكلاهما يشمل (ترك الذنب) و (أداء الفرائض والمستحبات).
المنهج الثالث يدعو إلى الهجرة من مواطن الشرك والكفر الملوّثة بالذنوب ، قال تعالى : (وَأَرْضُ اللهِ وَاسِعَةٌ).
هذه الآية ردّ على ذوي الإرادة الضعيفة والمتذرعين بمختلف الذرائع الذين يقولون : إنّنا عاجزون عن أداء الأحكام الإلهية ، لأنّنا في أرض مكة التي يحكمها المشركون. والقرآن يردّ عليهم بأنّ أرض الله لا تقتصر على مكة ، هاجروا من المواطن الملوّثة بالشرك والكفر والظلم التي لا يمكنكم فيها أداء الأحكام الإلهية بحرية إلى آخر.
وهذا يوضّح ـ بصورة جيّدة ـ أنّ المؤمن الذي تحيط به الضغوط والكبت ، ويستطيع أن يهاجر في سبيل الله عليه أن يهاجر ، وإلّا فإنّه غير معذور أمام الله.
ولأنّ الهجرة ترافقها بصورة طبيعية مشكلات كثيرة في مختلف جوانب الحياة ، فالمنهج الرابع إذن يتعلّق بالصبر والإستقامة. قال تعالى : (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ).