«قانت» : من مادة «قنوت بمعنى ملازمة الطاعة المقرونة بالخشوع والخضوع.
«آناء» : هي جمع «انا ـ على وزن كذا ـ وتعني ساعة أو مقداراً من الوقت.
التأكيد هنا على ساعات الليل ، لأنّ تلك الساعات يحضر فيها القلب أكثر ، وتقلّ نسبة تلوّثه بالرياء أكثر من أيّ وقت آخر.
وتتمة الآية تخاطب الرسول الأكرم صلىاللهعليهوآله بالقول : (قُلْ هَلْ يَسْتَوِى الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ). كلّا ، إنّهم غير متساوين : (إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبَابِ).
لا شك في أنّ السؤال المذكور أعلاه سؤال شامل ، ولكن إشارة إلى سؤال آخر قد طرح ، وهو : هل يستوي المشركون والمؤمنون الذين يحيون الليل بالعبادة ، فالسؤال الثاني يشير أكثر إلى هذه المسألة وهو : هل أنّ الذين يعلمون بأنّ المشركين المعاندين لا يتساوون مع المؤمنين الطاهرين ، يتساوون مع الذين لا يعلمون بهذه الحقيقة الواضحة!
فهذه العبارة أحد شعارات الإسلام الأساسية وهو سمو وعلوّ منزلة العلم والعلماء في مقابل الجهل والبديهي أن تكون هاتان المجموعتان غير متساويتين عند الباريء عزوجل ، وغير متساويين لدى العقلاء ، ولا يقفون في صفّ واحد لا في الدنيا ، ولا في الآخرة وأنّهم مختلفون ظاهراً وباطناً.
العلم في هذه الآية وبقية الآيات لا يعني معرفة مجموعة من المصطلحات ، أو العلاقة المادية بين الأشياء ، وإنّما يقصد به المعرفة الخاصة التي تدعو الإنسان إلى (القنوت) أي إلى طاعة الباريء عزوجل والخوف من محكمته وعدم اليأس من رحمته ، هذه هي حقيقة العلم ، فإذا كانت العلوم الدنيوية تؤدّي إلى ما ذكرناه آنفاً ، فهي علم أيضاً ، وإلّا فهي سبب الغفلة والظلم والغرور والفساد في الارض ، ولا يحصل منها سوى «القيل والقال».
(قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ (١٠) قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ (١١) وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ (١٢) قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (١٣) قُلِ اللهَ أَعْبُدُ مُخْلِصاً لَهُ دِينِي (١٤) فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ (١٥) لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذلِكَ يُخَوِّفُ اللهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ) (١٦)