(وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيباً إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْدَاداً لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلاً إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ (٨) أَمْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ) (٩)
الآيات السابقة تحدثت بالأدلة والبراهين عن توحيد ومعرفةالباريء عزوجل ، وذلك من خلال عرض بعض الظواهر العظيمة له في الآفاق والأنفس ، أمّا آيات بحثنا فتتحدث في البداية عن التوحيد الفطري وتوضّح أنّ ما يدركه الإنسان عن طريق العقل أو الفهم أو المطالعة في شؤون الخلق موجود بصورة فطرية في أعماقه ، وأنّه يظهر أثناء المشاكل وأعاصير الحوادث التي تعصف به. تقول الآية الكريمة : (وَإِذَا مَسَّ الْإِنسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ). ونادماً من ذنوبه وغفلته.
وعندما يمنّ الله على الإنسان بالنعم ينسى المشاكل والإبتلاءات السابقة التي دعا الله عزوجل من أجل كشفها عنه ، قال تعالى : (ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِّنْهُ نَسِىَ مَا كَانَ يَدْعُوا إِلَيْهِ مِن قَبْلُ).
إذ يجعل لله أنداداً وشركاء ويعمد إلى عبادتها ، ولا يكتفي بعبادتها بل يعمد ـ أيضاً ـ لإضلال وحرف الناس عن سبيل الله : (وَجَعَلَ لِلَّهِ أَندَادًا لِّيُضِلَّ عَن سَبِيلِهِ).
المقصود هنا من (الإنسان) هم الناس العاديون الذين لم يتربّوا في ظل إشعاعات أنوار تعاليم الأنبياء ، ولا يشمل هذا الكلام المؤمنين الذين يذكرون الله في السّراء والضّراء ويطلبون العون من لطفه دائماً.
نهاية الآية تخاطب مثل اولئك الأشخاص بلغة ملؤها التهديد الصريح والحازم والقاطع : (قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلاً إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ).
الآية التالية استخدمت اسلوب المقارنة ، الاسلوب الذي طالما استخدمه القرآن المجيد لإفهام الآخرين القضايا المختلفة ، حيث تقول : هل أنّ مثل هذا الشخص انسان لائق وذو قيمة : (أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌءَانَاءَ الَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْأَخِرَةَ وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبّهِ).