خلقي ، ولم تجعل إليّ من أمري ثم أخرجتني للذي سبق لي من الهدى إلى الدنيا تامّاً سويّاً».
وفي نهاية الآية ، بعد ذكر الحلقات التوحيدية الثلاث الخاصة بخلق الإنسان والأنعام ومراحل خلق الجنين ، يقول الباريء عزوجل : (ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لَاإِلهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ).
فأحياناً يصل الإنسان بعد مشاهدته لهذه الآثار التوحيدية العظيمة إلى مقام الشهود ، ثم أشار تعالى إلى ذاته القدسية حيث يقول : (ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ).
عبارتي «ربّكم» و «له الملك» تدلان على حصر الربوبية بذاته الطاهرة المقدسة ، والذي اتّضح بصورة جيّدة في عبارة : (لَاإِلهَ إِلَّا هُوَ).
بعد ذكر هذه النعم الكبيرة التي منّ بها الباريء عزوجل على عباده ، تتطرق الآية التالية إلى مسألة الشكر والكفر ، وتناقش جوانب من هذه المسألة. في البداية تقول : (إِن تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللهَ غَنِىٌّ عَنكُمْ). أي إن تكفروا أو تشكروا فإنّ نتائجه تعود عليكم ، والله غني عنكم في حال كفركم وشكركم.
ثم تضيف ، إنّ غناه وعدم احتياجه لا يمنعان من أن تشكروا وتتجنبوا الكفر ، لأنّ التكليف إنّما هو لطف ونعمة إلهية. قال تعالى : (وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِن تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ).
وبعد استعراض هاتين النقطتين تستعرض الآية نقطة ثالثة وهي تحمل الشخص مسؤولية أعماله ، لأنّ قضية التكليف لا يكتمل معناها بدون هذا الأمر. قال تعالى : (وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى).
ولأنّه لا معنى للتكليف إن لم يكن هناك عقاب وثواب ، فالآية تشير في المرحلة الرابعة إلى قضية المعاد ، وتقول : (ثُمَّ إِلَى رَبّكُم مَّرْجِعُكُمْ فَيُنَبّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ).
ولكون مسألة الحساب والعقاب لا يمكن أن تتمّ ما لم يكن هناك إطلاع وعلم كاملين بالأسرار الخفية للإنسان ، تختتم الآية بالقول : (إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ).
بهذا الشكل ، ومن خلال جمل قصار ، استعرضت فلسفة التكليف وخصوصياته ومسؤولية الإنسان ومسألة العقاب والثواب.