خلق الله ، وتبيّن في نفس الوقت بعض النعم الاخرى التي منّ بها الله سبحانه وتعالى على الإنسان. في البداية تتحدث عن خلق الإنسان وتقول : (خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا).
خلق كل بني آدم من نفس واحدة إشارة إلى مسألة خلق آدم أبي البشر ، إذ إنّ كل البشر وبتنوع خلقتهم وأخلاقهم وطبائعهم وإستعداداتهم وأذواقهم المختلفة يعودون في الأصل إلى آدم عليهالسلام.
وعبارة : (ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا) إشارة إلى أنّ الله خلق آدم في البداية ، ثم خلق حواء ممّا تبقى من طينته التي خلق منها ، وذلك كما ورد في الرّوايات الإسلامية.
بعد هذا ينتقل الحديث إلى مسألة خلق أربعة أنواع من الأنعام تؤمّن للإنسان ضروريات الحياة ، حيث يستفيد من جلودها لملابسه ، ومن حليبها ولحمها لغذائه ، ومن جهة اخرى يصنع من جلودها وأصوافها عدّة امور يستفيد منها في حياته ، ومن جهة ثالثة يستخدمها كوسيلة لتنقّله وحمل أثقاله : (وَأَنزَلَ لَكُم مّنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ).
والمقصود من (الأزواج الثمانية) الذكر والانثى لكل من الإبل والبقر والضأن والمعز.
وعبارة (أَنزَلَ لَكُمْ) والتي تخص هنا الأنعام الأربعة ـ كما بيّنا ذلك من قبل ـ لا تعني فقط إنزال الشيء من مكان عال ، وإنّما في مثل هذه الحالات تعني (تدنّي المقام) والنعم من مقام أعلى إلى أدنى.
ثم تتطرّق الآيات إلى حلقة اخرى من حلقات خلق الله ، وهي عملية نمو الجنين ، إذ تقول الآية : (يَخْلُقُكُمْ فِى بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِّن بَعْدِ خَلْقٍ فِى ظُلُمَاتٍ ثَلثٍ).
«يخلقكم» : فعل مضارع يعطي معنى الاستمرارية ، وهو هنا بمثابة إشارة إلى التحولات العجيبة والصور المختلفة التي تطرأ على الجنين في مراحل وجوده المختلفة في بطن الام.
وقوله (ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ) إشارة إلى ظلمة بطن الامّ وظلمة الرحم وظلمة المشيمة (الكيس الخاص الذي يستقر فيه الجنين) التي هي ثلاثة أغلفة سميكة تغطّي الجنين.
الإمام الحسين عليهالسلام ـ في دعائه المعروف بدعاء عرفه الذي يعدّ دورة دراسية كاملة وعالية في التوحيد ـ عند استعراضه للنعم التي منّ بها الباريء عزوجل عليه يقول : «وابتدعت خلقي من مني يمنى ، ثم أسكنتني في ظلمات ثلاث : بين لحم وجلد ودم لم تشهدني