الأسود من جهة اخرى ، أثناء حركة الأرض حول نفسها.
فإنّ القرآن المجيد يبيّن ظاهرة الليل والنهار و (النور) و (الظّلمات) في عدّة آيات مختلفة ، كل واحدة منها تشير إلى نقطة معيّنة ، وتنظر إلى هذه الظاهرة من زاوية خاصة.
ثم تنتقل إلى جانب آخر ، ألا وهو التدبير والنظام الدقيق المسيّر لشؤون هذا العالم. قال تعالى : (وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِى لِأَجَلٍ مُّسَمًّى).
فلا يظهر في حركة الشمس التي تدور حول نفسها ، أو التي تتحرك مع بقيّة كواكب المجموعة الشمسية نحو نقطة خاصة في مجرة درب التبانة ، أدنى خلل ، فهي تتحرك وفق نظام خاص ودقيق جدّاً ، ولا يظهر أيّ خلل في حركة القمر أثناء دورانه حول الأرض أو حول نفسه ، فالكل يخضع لقوانين (الخالق) ويتحرك وفقها ، وسيستمر في التحرك وفق هذه القوانين حتى آخر يوم من أجله.
نهاية الآية كانت بمثابة تهديد وترغيب للمشركين ، إذ تقول : (أَلَا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ). فبحكم عزّته وقدرته المطلقة لا يمكن لأيّ مذنب ومشرك أن يهرب من قبضة عذابه ، وبمقتضى كونه الغفار ، فإنّه يستر عيوب وذنوب التائبين ، ويظللهم بظل رحمته.
«غفار» : صيغة مبالغة مشتقة من المصدر «غفران» وتعني في الأصل لبس الإنسان لشيء يقيه من التلوّث ، وعندما تستخدم بشأن الباريء عزوجل فإنّها تعني ستره لعيوب وذنوب عباده النادمين وحفظهم من عذابه وجزائه.
والهدف من ذكر هاتين الصفتين في آخر الآية ، هو إيجاد حالة من «الخوف» و «الرجاء» عند العباد ، وهما عاملان رئيسيان وراء كل تحرك نحو الكمال.
(خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ (٦) إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ) (٧)
الجميع مخلوقون من نفس واحدة : مرّة اخرى تستعرض آيات القرآن الكريم عظمة