(لَوْ أَرَادَ اللهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً لَاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ سُبْحَانَهُ هُوَ اللهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (٤) خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى أَلَا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ) (٥)
ما حاجة الله إلى الأولاد : المشركون إضافة إلى أنّهم يعتبرون الأصنام وسيطاً وشفيعاً لهم عند الله ـ كما استعرضت ذلك الآيات السابقة ـ فقد اعتقدوا ـ أيضاً ـ أنّ بعض المخلوقات ـ كالملائكة ـ هي بنات الله ، والآية الاولى في بحثنا تجيب على هذا الإعتقاد الخاطىء والتصور القبيح بالقول : (لَّوْ أَرَادَ اللهُ أَن يَتَّخِذَ وَلَدًا لَّاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ سُبْحَانَهُ هُوَ اللهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ).
والأفضل هو القول بأنّ الآية تريد القول : إنّ الإبن مطلوب إمّا لتقديم العون أو لمؤانسة الروح ، وبفرض المحال فإنّ الله عزوجل لو كان محتاجاً لمثل هذا الأمر ، لاصطفى لهذا بعضاً ممّن يشاء من أشرف خلقه ، فلم يتخذ ولداً؟
ولكن لكونه الواحد الذي لا نظير له والقاهر والغالب لكل شيء والأزلي والأبدي ، فإنّه لا يحتاج إلى مساعدة أيّ أحد ، ولا يستوحش من وحدانيته حتى يزيلها عن طريق الانس مع الآخرين ، لهذا فهو منزّه ومقدس عن الولد ، حقيقياً كان أو منتخباً.
ولإثبات حقيقة أنّ الله لا يحتاج إلى مخلوقاته ، ولبيان دلائل توحيده وعظمته ، يقول الباريء عزوجل : (خَلَقَ السَّموَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقّ).
كون تلك الامور حقّاً دليل على وجود هدف كبير من وراء خلقها ، وذلك لتكامل المخلوقات وفي مقدّمتها الإنسان ، ثم لا تنتهي عند البعث.
بعد عرض هذا الخلق الكبير ، تشير الآية إلى جوانب من تدبيره العجيب ، والتغيّرات التي تطرأ بحسابات دقيقة ، والأَنظمة الدقيقة أيضاً التي تحكم اولئك ، إذ يقول القرآن المجيد : (يُكَوّرُ الَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوّرُ النَّهَارَ عَلَى الَّيْلِ).
من هذه الآية يتجلّى لنا أنّ الأرض كروية وتدور حول نفسها ، ومن جرّاء هذا الدوران ، يطوق الأرض دائماً شريطان ، أحدهما سواد الليل ، والثاني بياض النهار ، ولا يبقى هذان الشريطان ثابتين ، وإنّما يغطي الشريط الأسود الأبيض من جهة والشريط الأبيض يغطي