الآية التالية تؤكّد مرّة اخرى على مسألة الإخلاص ، وتقول : (أَلَا لِلَّهِ الدّينُ الْخَالِصُ).
وهذه العبارة ذات معنيين :
الأوّل : هو أنّ الباريء عزوجل لا يقبل سوى الدين الخالص ، والاستسلام الكامل له من دون أيّ قيد أو شرط.
والثاني : هو أنّ الدين والشريعة الخالصة يجب أخذها من الله فقط ، لأنّ أفكار الإنسان ناقصة وممزوجة بالأخطاء والأوهام.
إنّ هذه الآية في الواقع استدلال للآية التي جاءت قبلها ، فهناك تقول : (فَاعْبُدِ اللهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدّينُ). وهنا تقول : (أَلَا لِلَّهِ الدّينُ الْخَالِصُ).
ثم تنتقل الآية إلى إبطال المنطق الواهي الضعيف للمشركين الذين تركوا طريق الإخلاص ، وضاعوا في طرق الشرك والإنحراف : (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَولِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرّبُونَا إِلَى اللهِ زُلْفَى إِنَّ اللهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِى مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ).
وهنا سيتّضح للجميع فساد أفكارهم وأعمالهم وبطلان عقائدهم ..
هذه الآية هي تهديد قاطع للمشركين في أنّ الباريء عزوجل سيحاكمهم في يوم القيامة ، اليوم الذي تنكشف فيه الإلتباسات وتظهر فيه الحقائق ، ليجزوا ويعاقبوا على ما ارتكبوه من الأعمال المحرّمة ، إضافة إلى فضيحتهم أمام الجميع في ساحة المحشر.
والقرآن المجيد يؤكّد بصورة خاصة على أنّ الإنسان يستطيع أن يتصل بالله من دون أيّ واسطة ، وأن يتحدث معه ويناجيه ويطلب منه حاجته.
وبهذا الشكل فالباريء عزوجل ليس ببعيد عنّا ، ولسنا بعيدين عنه كي تكون هناك حاجة للوساطة بين الطرفين ، إنّه أقرب إلينا من كل قريب ، وموجود في كل مكان وفي أعماق قلوبنا.
وفقاً لهذا فإنّ عبادة الوسطاء من الملائكة والجن ونظائرهم ، أو الأصنام الحجرية والخشبية ، عمل باطل لا صحّة له ، إضافة إلى أنّه يعدّ كفراً بنعمة الله ، لأنّ الذي يهب النعم أجدر بالعبادة من تلك الموجودات الميتة ، أو المحتاجة إلى الآخرين من أعلى رأسها إلى أخمص قدمها. لذا يقول القرآن المجيد في نهاية الآية : (إِنَّ اللهَ لَايَهْدِى مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ).
لأنّه أوصد بكلتا يديه أبواب الهداية أمامه.