وهنا إقتضت مشيئة الله سبحانه ـ بدلائل سنشير إليها ـ أن يستجيب الله لطلب إبليس ، ولكن هذه الإستجابة كانت مشروطة وليست مطلقة ، كما توضّحه الآية التالية : (قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ).
ولكن ليس إلى يوم البعث الذي تبعث فيه الخلائق ، وإنّما إلى زمان معلوم. قال تعالى : (إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ).
وهذا إشارة إلى يوم نهاية العالم ، لأنّ كل الموجودات الحيّة في ذلك اليوم تموت ، وتبقى ذات الله المقدسة فقط ، كما ورد في الآية (٨٨) من سورة القصص : (كُلُّ شَىْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ).
هنا كشف إبليس عما كان يضمره في داخله ، وعن الهدف الحقيقي لطلبه البقاء خالداً إلى زمن معيّن إذ : (قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ).
القسم بالعزّة تبيّن أنّه مصمّم بصورة جديّة على المضي في عمله ، وأنّه سيبقى إلى آخر لحظة من عمره ثابتاً على عهده بإغواء بني آدم.
وبعد قسمه إنتبه إبليس إلى هذه الحقيقة ، وهي أنّ هناك مجموعة من عباد الله المخلصين لا يمكن كسبهم بأي طريقة إلى داخل منطقة نفوذه ، لذلك اعترف بعجزه في كسب اولئك فقال : (إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ).
اولئك الذين يسيرون في طريق المعرفة والعبودية لك بصدق وإخلاص وصفاء ، إنّك دعوتهم إليك ، وأخلصتهم لك ، وجعلتهم في منطقة أمنك.
سؤال : لماذا تمّت الباريء عزوجل الموافقة على طلب إبليس في البقاء حيّاً؟
في الجواب نقول : إنّ عالم الدنيا هذا هو ساحة للإختبار والإمتحان (الإختبار الذي هو وسيلة لتربية وتكامل الإنسان) وكما هو معروف فإنّ الاختبار لا يتمّ من دون مواجهة عدو شرس ومجابهة مختلف أنواع الأعاصير والمشاكل.
وبالطبع ، إن لم يكن هناك شيطان ، فإنّ هوى النفس ووساوسها هي التي تضع الإنسان في بودقة الإختبار ، ولكن حرارة هذه البودقة تزداد بوجود الشيطان ، لأنّ الشيطان سيكون في هذه الحالة العامل الخارجي المؤثّر على الإنسان ، وهوى النفس والوساوس ستكون العامل الداخلي.