وخطأ إبليس أنّ النار أشرف من التراب ، ولا يحقّ لأحد أن يأمر مخلوقاً بالسجود لمخلوق آخر دنى منه.
ولكن أوّلاً : إنّ آدم لم يكن تراباً فقط ، وإنّما نفخت فيه الروح الإلهية ، وهذا هو سبب عظمته.
ثانياً : التراب ليس بأدنى من النار ، وإنّما هو أفضل منها بكثير ، لأنّ كل الحياة أصلها من التراب ، فالنباتات وكل الموجودات الحية بأجمعها تستمدّ غذاءها ومصدر حياتها من التراب.
والنار إنّما يستفاد منها في الوسائل الترابية ، وقد تكون أداة خطرة ومدمّرة.
ولو أمعنا النظر في أدلّة إبليس لرأينا فيها كفراً عجيباً ، لأنّه بكلامه أراد نفي حكمة الله ، والتقليل من شأن أوامره (نعوذ بالله).
وهنا وجب إخراج هذا الموجود الخبيث من صفوف الملأ الأعلى وملائكة العالم العلوي ، فخاطبه الباريء عزوجل بالقول : (قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ).
فهذا المكان مكان الطاهرين والمقربين ، وليس بمكان المذنبين والعاصين ذوي القلوب المظلمة.
«رجيم» : من «رجم» ، وبما أنّ لازمها الطرد ، فقد وردت بهذا المعنى هنا.
ثم أضاف الباريء عزوجل : (وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِى إِلَى يَوْمِ الدّينِ).
المهم أنّ الإنسان عندما يرى النتائج الوخيمة لأعماله السيّئة عليه أن يستيقظ من غفلته ، وأن يفكّر في كيفية إصلاح ذلك الخطأ ، ولا شيء أخطر من بقاءه راكباً لموج الغرور واللجاجة واستمراره في السير نحو حافّة الهاوية ، لأنّه في كل لحظة يبتعد أكثر عن الصراط المستقيم ، وهذا هو نفس المصير المشؤوم الذي وصل إليه إبليس.
وهنا تحوّل (الحسد) إلى (عداء) ، كما قال القرآن : (قَالَ رَبّ فَأَنظِرْنِى إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ).
إنّه طلب من الباريء عزوجل أن يمهله إلى يوم يبعثون كي ينتقم من أبناء آدم عليهالسلام ويدفعهم جميعاً إلى طريق الضلال.
وفي الحقيقة ، إنّه كان يريد الإستمرار في إغواء بني آدم حتى آخر فرصة متاحة له ، لأنّ في يوم البعث تسقط التكاليف عن الإنسان ، ولا معنى هناك للوساوس والإغواءات ، إضافةً إلى هذا فقد طلب من الله عزوجل أن يبقيه حيّاً إلى يوم القيامة ، رغم أنّ كل الموجودين في العالم يموتون في هذه الدنيا.