ملائكته بأنّه سيخلق بشراً من الطين : (إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلِكَةِ إِنّى خَالِقٌ بَشَرًا مّن طِينٍ).
ولكي لا يتصور البعض أنّ أصل خلق الإنسان هو ذلك الطين وحسب ، أضافت الآية التالية : (فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِى فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ).
وبهذا الشكل إنتهت عملية خلق الإنسان ، وذلك بعد إمتزاج روح الباريء عزوجل الطاهرة مع التراب. فخُلق موجود عجيب لم يسبق له مثيل ، ولم توضع لرقيّه وإنحطاطه أيّة حدود. الموجود الذي زوّده الباريء عزوجل بإستعدادات خارقة تجعله لائقاً لخلافة الله ، والذي سجدت له الملائكة بأجمعها فور إكتمال عملية خلقه : (فَسَجَدَ الْمَلِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ).
إلّا أنّ إبليس كان الوحيد الذي أبى أن يسجد لآدم لتكبّره وتمرده وطغيانه ، ولهذا السبب أنزل من مقامه الرفيع إلى صفوف الكافرين : (إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ).
نعم ، فالتكبر والغرور من أقبح الامور التي يبتلى بها الإنسان ، ويحرماه من إدراك الحقائق وفهمها ، ويؤدّيان به إلى التمرد والعصيان ، ويخرجانه أيضاً من صفوف المؤمنين المطيعين لله إلى صفّ الكافرين الباغين والطاغين ، ذلك الصفّ الذي يترأسه إبليس ويقف في مقدّمته.
وهنا إستجوب الباريء عزوجل إبليس : (قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَىَّ).
وبما أنّ الباريء عزوجل منزّه عن كافّة أشكال الجسم والتجسيم ، فعبارة (يدي) هنا كناية عن القدرة ، ومن الطبيعي أنّ الإنسان يستعمل يديه ليظهر قدرته على إنجاز العمل.
ثم تضيف الآية : (أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِينَ). أي أكان عدم سجودك لأنّك استكبرت ، أم كنت من الذين يعلو قدرهم عن أن يؤمروا بالسجود؟!
ومن دون أي شك فإنّه لا أحد يستطيع أن يدّعي أنّ قدرته ومنزلته أكبر من أن يسجد لله (أو لآدم بأمر من الله).
إلّا أنّ إبليس إختار ـ بكل تعجب ـ الشقّ الثاني ، وكان يعتقد بأنّه أعلى من أن يؤمر بذلك ، لذلك قال ـ بكل وقاحة ـ أثناء تبيانه أسباب معارضته لأوامر الباريء عزوجل : (قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِى مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ).