إلى الباريء عزوجل قائلين : (قَالُوا رَبَّنَا مَن قَدَّمَ لَنَا هذَا فَزِدْهُ عَذَابًا ضِعْفًا فِى النَّارِ).
العذاب الأوّل لأنّهم أضلّوا أنفسهم ، والثاني لأنّهم أضلّونا.
هذه هي نهاية كل من عقد الصداقة مع المنحرفين وبايعهم على السير في طرق الضلال والإنحراف ، فإنّهم عندما يرون نتائج أعمالهم الوخيمة يلعن بعضهم بعضاً ويتخاصمون فيما بينهم.
والملفت للنظر هنا أنّ الآيات التي تذكر النعم التي يغدقها الباريء عزوجل على المتّقين كانت أكثر تنوّعاً من الآيات التي إستعرضت عذاب الطغاة المتجبّرين ، إذ أشارت آيات القسم الأوّل إلى سبع نعم ، بينما أشارت آيات القسم الثاني إلى خمسة أنواع من العذاب ، يحتمل أن يكون السبب هو سبق رحمة الله لغضبه ، «يامن سبقت رحمتُه غضبَه».
(وَقَالُوا مَا لَنَا لَا نَرَى رِجَالاً كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرَارِ (٦٢) أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيّاً أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصَارُ (٦٣) إِنَّ ذلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ) (٦٤)
تخاصم أهل النار : آيات بحثنا تواصل إستعراض الجدال الدائر بين أهل جهنم. تقول اولى تلك الآيات : (وَقَالُوا مَا لَنَا لَانَرَى رِجَالاً كُنَّا نَعُدُّهُم مّنَ الْأَشْرَارِ).
فعندما يبحث أفراد اتّبعوا أئمّة الضلال ، أمثال أبي جهل وأبي لهب ، عن أشخاص آخرين مثل عمّار بن ياسر وخباب وصهيب وبلال ، في نار جهنم يرجعون إلى ذاتهم متسائلين ، ويستفسرون من الآخرين : أين اولئك الأشخاص؟
وتضيف الآيات نقلاً عن أهل جهنم : (أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصَارُ).
إنّنا كنّا نسخر من هؤلاء الرجال العظماء ذوي المقام الرفيع ، ونعتبرهم اناساً حقراء لا يستحقّون أن ننظر إليهم ، ولكن اتّضح لنا الآن أنّ جهلنا وغرورنا وأهواءنا هي التي أسدلت على أعيننا ستائر حجبت الحقيقة عنّا ، فهؤلاء كانوا من المقربين لله ومكانهم الآن في الجنة.
ومن الضروري الإلتفات إلى أنّ أحد أسباب عدم إدراك الحقائق هو عدم أخذها بطابع الجدّ ، إضافة إلى الإستهزاء بها ، إذ يجب على الدوام مناقشة الحقائق بشكل جدّي للوصول إليها.
ثم تخرج الآية الأخيرة بالنتيجة التي تمخّض عنها الجدال بين أهل جهنم ، وتؤكّد على ما مضى بالقول : (إِنَّ ذلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ).