ثم تتطرّق الآيات إلى أنواع اخرى من العذاب الإلهي ، إذ تقول : (هذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ). أي يجب عليهم أن يشربوا الحميم والغسّاق.
«الحميم» : هو الماء الحارّ الشديد الحرارة ، والذي هو أحد أنواع أشربة أهل جهنم.
و «غسّاق» : من «غسق» على وزن (رمق) وتعني شدّة ظلمات الليل.
وقال الراغب في مفرداته : إنّ (غسّاق) تعني القيح الذي يسيل من جلود أهل جهنم ومن الجراحات الموجودة في أجسامهم.
آيات بحثنا تشير مرّة اخرى إلى نوع آخر من أنواع العذاب الأليم : (وَءَاخَرُ مِن شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ). أي أنّ هناك عذاب آخر غير ذلك العذاب.
«أزواج» : تعني الأنواع والأقسام ، وهذه إشارة موجزة إلى أنواع اخرى من العذاب لا تختلف عن أنواع العذاب السابقة ، ولكن آيات القرآن لم تفصح هنا عن أنواعها وقد لا يستطيع أحد في هذه الدنيا فهمها وإدراكها.
وآخر عذاب لهم أنّ جلساءهم في جهنم ذوو ألسنة بذيئة لا تنطق إلّابالقبيح من الكلام ، فعندما يرد رؤساء الضلال النار ، ويرون بأعينهم تابعيهم يساقون نحو جهنم يخاطب بعضهم البعض ويقول له : (هذَا فَوْجٌ مُّقْتَحِمٌ مَّعَكُمْ).
فيجيبونهم : (لَامَرْحَبًا بِهِمْ).
ثم يضيفون : (إِنَّهُمْ صَالُوا النَّارِ).
«مقتحم» : من «إقتحام» وتعني الدخول في شيء بمشقّة وبصعوبة وخوف ، وغالباً ما تعطي معنى الدخول في شيء من دون أي إطلاع وعلم مسبق.
وتوضّح هذه العبارة أنّ متّبعي سبيل الضلال يردون نار جهنم الرهيبة نتيجة تركهم البحث والتفكير ، واتّباعهم لأهوائهم ، إضافة إلى تقليدهم الأعمى لآبائهم الأوّلين.
فإنّ الصوت يصل إلى مسامع الأتباع الذين يغضبون من كلام أئمّة الضلال ، ويلتفتون إليهم قائلين : (قَالُوا بَلْ أَنتُمْ لَامَرْحَبًا بِكُمْ أَنتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنَا فَبِئْسَ الْقَرَارُ).
وأراد الأتباع من جوابهم القول : بأنّ من حسن الحظّ أنّكم (أي أئمّة الضلال والشرك) مشتركون معنا في هذا الأمر. وهذا يشفي غليل قلوبنا (وكأنّهم شامتون بأئمّتهم).
لكن الأتباع لا يكتفون بهذا المقدار من الكلام ، لأنّ أئمة الضلال هم الذين كانوا السبب المباشر لإرتكابهم الذنوب ، ولذا فإنّهم يعتبرونهم أصحاب الجريمة الحقيقيين ، وهنا يلتفتون