د) برهان نفي الإختلاف : لا شك أنّنا جميعاً نتعذّب كثيراً من الاختلافات بين المذاهب والعقائد في هذا العالم ، وكلّنا نتمنّى أن تحلّ هذه الاختلافات ، في حين أنّ جميع القرائن تدلّل على أنّ هذه الاختلافات هي من طبيعة الحياة ، ويستفاد من عدة دلائل بأنّه حتى بعد قيام المهدي عليهالسلام ـ وهو المقيم لحكومة العدل العالمية والمزيل لكثير من الاختلافات ـ ستبقى بعض الاختلافات العقائدية بلا حلّ تامّ ، وكما يقول القرآن الكريم ، فإنّ اليهود والنصارى سيبقون على اختلافاتهم إلى قيام القيامة : (فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوِم الْقِيمَةِ) (١).
ولكن الله سبحانه وتعالى الذي يقود كل شيء باتّجاه الوحدة سينهي تلك الاختلافات حتماً ، ولوجود الحجب الكثيفة لعالم المادة في الدنيا فإنّه لا يمكن حلّ هذا الأمر بشكل كامل فيها ، ونعلم أنّ العالم الآخر هو عالم الظهور والإنكشاف ، إذن فنهاية هذه المسألة ستكون نهاية عملية ، وستكون الحقائق جلية واضحة إلى درجة أنّ الاختلافات العقائدية ستحلّ بشكل نهائي تام.
الجميل أنّه تمّ التأكيد في آيات متعددة من القرآن الكريم على هذه المسألة ، يقول تعالى في الآية (١١٣) من سورة البقرة : (فَاللهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيمَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ). وفي الآيات (٣٨ و ٣٩) من سورة النحل يقول تعالى : (وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَايَبْعَثُ اللهُ مَن يَمُوتُ بَلَى وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَايَعْلَمُونَ * لِيُبَيّنَ لَهُمُ الَّذِى يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كَانُوا كَاذِبِينَ).
٤ ـ القرآن ومسألة المعاد : تعتبر مسألة المعاد المسألة الثانية بعد مسألة التوحيد والتي تعتبر المسألة الأساس في تعليمات الأنبياء بخصائصها وآثارها التربوية ، لذا ففي بحوث القرآن الكريم نجد أنّ أكثر الآيات اختصّت ببحث مسألة المعاد ، بعد الكثرة الكاثرة التي اختصّت ببحث مسألة التوحيد.
والمباحث القرآنية حول المعاد تارةً تكون بشكل إستدلالات منطقية ، واخرى بشكل بحوث خطابية وتلقينية شديدة الوقع بحيث إنّ سماعها في بعض الأحيان يؤدّي إلى قشعريرة شديدة في البدن بأسره. والكلام الصادق ـ كالاستدلالات المنطقية ـ ينفذ إلى أعماق الروح الإنسانية.
__________________
(١) سورة المائدة / ١٤.