في القسم الأوّل ، أي الاستدلالات المنطقية ، فإنّ القرآن الكريم يؤكّد كثيراً على موضوع إمكانية المعاد ، إذ إنّ منكري المعاد غالباً ما يتوهمون إستحالته ، ويعتقدون بعدم إمكانية المعاد بصورة معاد جسماني يستلزم عودة الأجسام المهترئة والتراب إلى الحياة مرّة اخرى.
ففي هذا القسم ، يلج القرآن الكريم طرقاً متنوعة ومتفاوتة تلتقي كلها في نقطة واحدة ، وهي مسألة «الإمكان العقلي للمعاد».
فتارةً يجسّد للإنسان النشأة الاولى ، وبعبارة واضحة تقول الآية : (كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ) (١).
وتارةً يجسّد حياة وموت النبات ، وبعثه الذي نراه بامّ أعيننا كل عام ، وفي الختام يقول إنّ بعثكم تماماً كالنبات : (وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُّبَارَكًا فَأَنبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ * وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَّهَا طَلْعٌ نَّضِيدٌ * رّزْقًا لّلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَّيْتًا كَذلِكَ الْخُرُوجُ) (٢).
وفي موضع آخر يقول تعالى : (وَاللهُ الَّذِى أَرْسَلَ الرّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنهُ إِلَى بَلَدٍ مَّيّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذلِكَ النُّشُورُ) (٣).
وحيناً يطرح مسألة قدرة الله سبحانه وتعالى على خلق السموات والأرض فيقول : (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ الَّذِى خَلَقَ السَّموَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْىَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَن يُحْيِىَ الْمَوْتَى بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلّ شَىْءٍ قَدِيرٌ) (٤).
وحيناً آخر يعرض عملية إنبعاث الطاقة وإشتعال الشجر الأخضر كنموذج على قدرته ، وجعل النار في قلب الماء فيقول : (الَّذِى جَعَلَ لَكُم مِّنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا) (٥).
وتارةً يجسّد أمام ناظري الإنسان الحياة الجنينية فيقول : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِى رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُّخَلَّقَةٍ لِّنُبَيّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِى الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً) (٦).
وأخيراً فإنّ القرآن تارةً يدلّل على البعث بالنوم الطويل ـ النوم الذي هو قرين الموت
__________________
(١) سورة الأعراف / ٢٩.
(٢) سورة ق / ٩ ـ ١١.
(٣) سورة فاطر / ٩.
(٤) سورة الأحقاف / ٣٣.
(٥) سورة يس / ٨٠.
(٦) سورة الحجّ / ٥.